العلاقة بين المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي خرجت من صلب الأيديولوجية السلفية، فرقت بينهما نوازع السلطة وتشابك المصالح فصار الشعبي معارضاً شرساً بعد أن وصل التطاحن بينهما إلى نقطة الخطورة الفظيعة، بينما تسيد الوطني ساحة الحكم.. عاد الشعبي بعد سنوات عديدة مشاركاً في دفة السلطة على خلفية مقررات الحوار الوطني المشهورة، والتي التقط الدكتور “الترابي” قفازها وأبعادها من خلال فكرة جامعة أكبر من التحزب أدهشت الوطني نفسه.
غاب الأب الروحي والمنظر الأيديولوجي للحركة الإسلامية الحديثة وزعيم الشعبي، فدخل حزبه في حكومة الوفاق الوطني الحالية، بعد أن وضع اشتراطات كثيرة أبرزها مطلبية الحرية والتناغم الواضح مع قضايا المبادئ العامة، فالواضح أن الوطني لم يستطع ابتلاع استحقاقات جريان السلطة العاتي والساخن والمكلف والذي يعكر سلاسة تفرده في الحكم، وبذلك دخلت العلاقة بين الحزبين في مراحل الشد والجذب التي تسودها الهواجس والظنون وانعدام الثقة، حيث شعر الشعبي بأن الوطني لا يملك التصورات والأفكار التي تساعده على وضع المعالجات المطلوبة في وجه التوهان السياسي والمشكل الاقتصادي والبلايا الاجتماعية، وبذلك صار حزب الشيخ “الترابي” لا يحتمل تعامل الوطني مع الأزمة الوطنية الماثلة للعيان، فكان أن تصاعدت في هياكله ثورة الشباب في وجه قيادة الشعبي الحالية محتجة على سكوتهم الظاهر على إخفاقات الوطني في تسيير دفة السلطة.. في الصورة المقطعية أصبح الدكتور “علي الحاج” أمين عام الشعبي في موقف لا يحسد عليه.. ماذا يفعل أمام احتجاجات منسوبي حزبه وأمنياتهم الواضحة بترك قطار السلطة، فالدكتور “علي الحاج” كسياسي عريق لا يمكنه مسايرة هذا الطوفان العاتي على الرغم من مبرراته، فهو ينظر إلى الجزء الآخر من الكوب ويريد حلاً معقولاً لتطورات المشاركة بوصفه صاحب اليد الطولى في هذه الخطوة.. معظم قادة الشعبي صاروا ناقمين على المشاركة، أمثال المحامي “كمال عمر” والدكتور “بشير آدم رحمة” والمحامي “أبو بكر عبد الرازق” والأستاذ “السجاد” والدكتور “إبراهيم الترابي” حتى “علي الحاج” مهندس الدخول في الحكومة كثيراً ما انتقد الوطني وهدد بالخروج من قاطرة الحكم، فالشاهد أن الشعبي لا يوافق على التعديلات الدستورية الأخيرة التي تفتح باب الترشح لرئاسة الجمهورية على مصراعيه، ولا يرضى الشعبي بمصير توصيات الحوار الوطني التي تبخر معظمها في الهواء، وبذات القدر يرفض الشعور بالخيلاء الذي انتاب الوطني في تعامله مع القوى السياسية الأخرى ، وفي خضم تلك المعطيات يصبح قرار الخروج من الحكم مبنياً على حسابات دقيقة ومراجعات سياسية كيميائية أكبر من اللغة الحماسية والغضبة التي في الضلوع والتي تحمل دلالات القدسية، فلا شك أن مغادرة الشعبي في أحسن الأحوال قد تكون في صندوق مغلق تتوكأ على معادلة لها ما بعدها، وقد يصبح فتح الصندوق كلفة عاتية تتماهى مع واجبات جدول القاموس السياسي، فالنظرة إلى بانوراما المسرح السياسي السوداني في 2020م، قد يكون حدثاً يستحق التأمل الشفيف والتحديق البعيد.