ضبط الوجود الأجنبي!!
بدأت العمالة الأجنبية تتدفق على السودان بعد اكتشاف وتصدير البترول خلال العام 1999م تقريباً، ورغم أن العمالة الأجنبية كالأحباش والإريتريين والمصريين والبنغلاديش تدفقوا على السودان إلا أن السودانيين الموجودين بدول البترول لم تحدثهم نفسهم بالعودة لأرض الوطن، والسبب أن معظم العمالة السودانية من حملة الشهادات الرفيعة كالأطباء والمهندسين والصيدلانيين والصحفيين وغيرهم من المميزين في مجالاتهم، وقد وجدوا احتراماً كبيراً من قبل الجهات المسؤولة بتلك الدول مثل قطر التي جل منسوبي الشرطة فيها من أبناء السودان خلال فترة السبعينيات والثمانينيات إلى أن تم تقليص مرتباتهم في خطوة لإدخال أبناء الوطن في الخدمة التي سيطر عليها الأجانب، لذا فإن العمالة السودانية كانت تذهب بطرق شرعية عدا قلة بالمملكة العربية السعودية، وهذه القلة تمارس عملها في احترام شديد إلى أن تتحصل على الإقامة التي تقنن بها وجودها بطريقة رسمية. وحتى الذين لم يقننوا وضعهم بالطرق الرسمية كانوا يتعرضون للقبض عليهم من قبل الشرطة ويتم ترحيلهم فوراً، لذلك يحرص السوداني في ديار الغربة على احترام قوانين الدولة الموجود فيها، وفي حالة المخالفة يخضع للمحاسبة المالية كما هو معمول به في دبي أو دولة الإمارات، يُدفع مبلغ تحدده الجهات المسؤولة نظير كل يوم تخلف فيه الشخص، ولذلك أصبح السوداني يحرص على تقنين وضعه بصورة رسمية خاصة في دولة الإمارات، وإلا فإن كل المال الذي جمعه لن يشفع له في فترة التخلف التي قضاها، لذا درجت كل الدول البترولية أو غيرها على وضع خطة لضبط الوجود غير الشرعي بمنح فترة سماح لأولئك الذين انتهت فترة إقامتهم الرسمية إما التجديد أو المغادرة أو إيجاد عقد عمل يضمن لهم حق البقاء بصورة رسمية.. نحن في السودان ونظراً للحدود المفتوحة بيننا وبين العديد من الدول بالإضافة إلى التشابه لم تستطع الجهات الرسمية ضبط الوجود الأجنبي، فظلت العمالة الأجنبية تمارس عملها دون أن تتعرض لـ(الكشات) كما هو بائن في المملكة العربية السعودية.. ونلاحظ أن معظم (بائعات الشاي) من غير بنات السودان، وكذلك الكافيتريات ومعظم أماكن الطعام، العاملون فيها من غير السودانين، وقلة من هذا الكم الهائل قد قننت وجودها بصورة رسمية، لذا فإن الخطوة التي قامت بها وزارة الداخلية السودانية بالعمل على حصر الأجانب داخل ولاية الخرطوم، الذي يبدأ اليوم، يعدّ خطوة موفقة لنضمن أن كل الموجودين داخل الولاية قد قننوا وجودهم، ولكن لا ندري كيف ستتعامل الجهات المسؤولة بوزارة الداخلية مع الذين سيقننون أوضاعهم خاصة الذين يتخذون التسول مهنة في الأسواق وعند الإشارات وأصحاب العاهات والأمراض.. كيف ستتعامل تلك الجهات معهم؟ هل ستتصل بسفاراتهم لترحيلهم كما هو معمول به في المملكة العربية السعودية؟ وكيف ستتعامل مع الشبكات التي تساعد على تسلل الأجانب إلى داخل الوطن؟ لذا يجب على الجهات المسؤولة بوزارة الداخلية أن تعي أنها ستتعامل مع فئتين من الأجانب، أجانب دخلوا بطرق شرعية وهؤلاء يمكن حصرهم ومعرفة أسباب تخلفهم، وفئة أخرى دخلت بطرق غير شرعية وهؤلاء يمكن الاتصال بسفاراتهم لمعرفة كيفية التعامل معهم!!