أيام وتحل الذكرى الرابعة والخمسون لذكرى أكتوبر1964 العظيمة أول ربيع عربي في المنطقة العربية والإفريقية، أكتوبر كانت ثورة ضد الظلم والقهر والجبروت والطغيان والاستبداد،أكتوبر لم تكن ثورة عادية بل كانت ملحمة لكل الشعب، الذي ثار وانتفض ضد حكم الرئيس عبود،مازالت تلك الثورة في مخيلة من بقى من جيلها ،فأكتوبر شاركت فيها كل الأحزاب السياسية، وعلى الرغم من الصراعات والخلافات التي نشبت بينهم ولكن تظل أكتوبر صنيعة الكل،وهي الثورة التي فجرتها ندوة جامعة الخرطوم عن الوضع في جنوب السودان ، وتحدث فيها الراحل الشيخ الترابي، ولكن رغم أن الندوة هي القشة التي قصمت ظهر البعير، إلا أن أسباب خفية كانت وراء تفجر الأوضاع، فثورة أكتوبر التي عملت على تغيير نظام عبود كان يتوقع أن يكون البديل أفضل إلا أن الأحزاب السياسية التي جاءت من بعد ذلك ظلت في نفس صراعها حتى جرى التغيير الأخر بثورة مايو 1969 ، فأكتوبر من أعظم الثورات التي مرت على المنطقة وعلى البلاد إلا أن الأحزاب السياسية لم تستفد من ماضيها ، فأكتوبر تم تمجيدها بأعظم القصائد والأناشيد الوطنية: أكتوبر الأخضر وأكتوبر 21 ومازال صدى تلك الأناشيد يرن في الأذان كملحمة من ملاحم البطولات (أم بلينا السنوسي ووردي ومحمد الأمين )وغيرهم من فناني الجيل الماضي الذين خلدوها بالفن الجميل.
نحن إذ نتذكرها اليوم بعد مضي (54) عاماً، ولكنها ثورة كأنها اندلعت اليوم ضد الظلم والقهر والاستبداد ،فنظام الرئيس الأسبق “عبود” حتى الآن لم يكتب التاريخ عنه بصدق ،ولم يعرف إن كان نظاماً فاسداً فعلاً أم تخرصات سياسيين ، لأن الذين تحدثوا بصدق عنه ذكروا محاسن الرئيس “عبود” بعض سنوات قليلة من زواله حينما تردت الأوضاع السياسية ودخل الرئيس “عبود السوق” مثله ومثل كل مواطن فهتفت الجماهير تمجده قائلة : “ضيعناك وضعنا وراك يا عبود”، “فعبود” كان نزيهاً طاهر اليد واللسان، فحينما شاهد من شرفة القصر الجماهير المكتظة بالشوارع تطالبه بالرحيل.. سأل من كان إلى جواره قائلاً: هل كل الجماهير المحتشدة ترفضنا؟، فأجابه بالإيجاب، فقال له: لابد إذاً من التنحي، فأصدر قراره بالتنحي عن السلطة، فالرئيس “عبود” لم يظهر حتى الآن شخص من أسرته يتحدث عنه أو عن فترة حكمه، فحاولنا مراراً وتكراراً أن يتحدث أبناؤه “محمد” والدكتور “عبود” عن تلك الفترة إيجابياتها وسلبياتها ولكنهم رفضوا الحديث لا عن والدهم ولا عن فترة حكمه، فأنزووا بعيداً حتى السياسة لم تشغفهم، لذا نأمل من الذين عاصروا الرئيس “عبود” من الأحياء ونحن نستشرف هذه الذكرى أن يخرجوا إلى العلن ليتحدثوا عن تلك الشخصية التي حكمت السودان فترة من الزمن، وغاب الكثير عنها، فنحن مازلنا نفتقد لتوثيق تاريخنا وتاريخ رموزنا الذين وضعوا بصمات واضحة في السياسة السودانية، فأهل التاريخ هم المعنيون بذلك ولدينا أفذاذ ممن شغفهم حب التوثيق ولهم تجارب وزيارات إلى المكتبات الخارجية في بريطانيا أو أي دولة توجد فيها وثائق تعنى بتاريخ السودان ، فثورة أكتوبر التي تمر بعد ثلاثة أيام ذكراها نأمل من أبناء الرئيس الأسبق “عبود” أن يخرجوا إلى العلن ويتحدثوا بصدق عما يعرفونه عن تلك الفترة التي غاب الكثير منها.