الحقوا ما تبقى من الكوادر المهاجرة!!
الدكتورة “آمنة ضرار” وزير الدولة بوزارة العمل وتنمية الموارد البشرية، رسمت صورة قاتمة للوضع في البلاد من خلال التقرير الذي قدمته لمجلس الولايات عن تزايد هجرة الكوادر السودانية إلى الخارج.
الدكتورة “آمنة” كانت صادقة مع نفسها ومع الجهات التي تعمل معها في وزارتها، وكانت أكثر صدقاً حينما رفعت هذا التقرير ليُناقش على الهواء الطلق من داخل قبة مجلس الولايات.
إن هجرة الكوادر إلى خارج أرض الوطن بغرض تحسين الوضع المعيشي حق مشروع بالنسبة لهم، وليس من حق الدولة منع أي شخص يرغب في مغادرة الوطن من أجل ذلك، ولكن من حق الدولة أن تسترد أي أموال صرفتها على الكوادر العلمية كالأطباء وأساتذة الجامعات الذين نالوا منح دراسية لفترات خارج أرض الوطن، ومن حق الدولة مطالبة تلك الشريحة برد المبالغ التي صرفت عليهم إلى خزينة الدولة طالما ارتضوا الهجرة طواعية.
التقرير الذي قدمته الدكتورة “آمنة” أشار إلى أن (75,631) ألف سوداني هاجروا للعمل بالخارج خلال عام منهم (5028) طبيباً، فيما بلغ عدد المهاجرين من المهن التعليمية (1002) معظمهم خلال العام 2012م، وقال التقرير إن ذروة الهجرة كانت خلال العام 2012م، وهذا يعني أن العام 2012م، هو العام الذي توقف فيه ضخ البترول من الجنوب عبر الشمال، ما فاقم المسألة الاقتصادية وأدى إلى انعكاس سالب على تلك الشرائح الصابرة، ولكن طالما انفتحت لها أبواب الهجرة وبأجور مجزية وتحفظ لها مكانتها الاجتماعية والاقتصادية، فلا يهم حتى ولو غادرت كل الكوادر المهنية والعلمية طالما الدولة لم تحرك ساكناً، وظلت في حالة صمت تجاه أوضاع تلك الكوادر التي (لاكت) الصبر عسى ولعل أن يكون هناك مخرج من جانب الدولة، ولكن الإهمال المتزايد لتلك الشريحة المهمة جعلها تتخذ قرارها ولا تبالي مهما وصلت من العمر طالما الإنسان يعيش في وضع اقتصادي أفضل، ويعيش أطفاله في وضع اقتصادي وتعليم أفضل، فالوطن الذي تربى فيه وعاش في كنفه لم يهتم به وبقدراته في ظل ظهور جيل جديد لم يراعِ كثيراً من القيم صعد على كتوف تلك الكوادر ونال مبتغاه في فترة قصيرة من الزمن، بينما تلك الكوادر ظلت لسنوات عدة تبحث عن كيف تمزق فاتورة الإيجار وفاتورة تعليم الأبناء وفاتورة العلاج، وكثير من الفواتير التي يحملها هذا الكادر الذي سكب العرق والدم ليقدم خدمة للإنسان في كل المجالات الطبية والهندسية والتعليمية، لكن في النهاية لم يجنِ إلا المذلة وشظف العيش.
لم أجد للدولة أي عذر وهي تسمع وتقرأ يومياً عن تزايد أعداد المهاجرين عن أرض الوطن، ولم تكلف نفسها البحث عن أسباب تلك الهجرة، وعجبت لتصريح لوزير الصحة بولاية الخرطوم الدكتور “مأمون حميدة” عن هجرة الأطباء، حيث قال هناك فائض في عدد الأطباء، لكن يا دكتور أي نوع من الأطباء الذين هاجروا والذين بقوا، الدول التي تهاجر لها الكوادر العلمية لم تصرف مليماً في تعليمهم، بل وجدتهم جاهزين، فليس من المنطق أن تصرف الدولة على كوادرها وتؤهلهم ولا أحد يسأل عن أسباب هجرتهم، وإن كانت الأسباب واضحة وضوح الشمس، فقبل أن تصحا الدولة ولا تجد طبيباً يعتمد عليه أو كادراً مهنياً أو تعليمياً الحقوا ما تبقى منهم قبل فوات الأوان.