ولنا رأي

الكرنكي ملك التوثيق

عرفت الأستاذ “عبد المحمود نور الدائم الكرنكي” نائب رئيس تحرير الزميلة (الانتباهة) أول مرة إن لم تخني الذاكرة في عام 1980 أو 1981م، بالقاهرة عندما فاز الإسلاميون باتحاد الطلبة، وقدم الاتحاد الدعوة لعدد من الشخصيات للمشاركة في أسبوعه الثقافي، فكان من بين المدعوين للأسبوع الدكتورة “سعاد الفاتح البدوي” والمؤرخ “التجاني عامر” والراحل “مبارك المغربي” والفنان “صلاح بن البادية”، وكان “الكرنكي” أحد أولئك المشاركين في الأسبوع، وقتها “الكرنكي” كان طالباً بجامعة الخرطوم وجاء ضمن الضيوف المتحدثين في البرنامج.. كان يملك معلومات ثرة ومتحدثاً بارعاً فتعرفنا عليه من خلال الأسبوع، ووقفنا معه في نقاش طويل أدهشنا بمعلوماته الغزيرة ولغته الرصينة ولطفه وذوقه، تعرف على عدد كبير من الطلبة وأعتقد أنه ما زال يحتفظ بعدد كبير من تلك الأسماء، ربما يحدد لك أين التقى بالدكتور “كمال حنفي” أو الراحل “عبد السلام محمد علي” أول رئيس اتحاد بعد أن تولى الاتجاه الإسلامي الاتحاد من منسوبي الاتحاد الاشتراكي.
الأستاذ “الكرنكي” يتمتع بذاكرة قوية وهو ملك التوثيق إن كان هناك ملوك في هذا المجال، يحتفظ “الكرنكي” بكثير من المقالات الجيدة والحوارات الممتازة ليس لشخصه وإنما لعدد كبير من الكُتاب والصحفيين، تعرفت على الأستاذ “الكرنكي” أكثر عندما تولى رئاسة تحرير صحيفة (الأنباء) في 2003م، تقريباً.
يمتاز “الكرنكي” بالدقة والمتابعة التي لا تتوفر الآن لدى الكثيرين من رؤساء التحرير أو المسئولين، لقد استفدت كثيراً من الأستاذ “الكرنكي” خلال فترة وجوده كرئيس تحرير لـ(الأنباء)، وقد شكلنا تقريباً ثنائياً في مجال الحوارات الخفيفة وأطلقنا عليها وقتها (وجه من بلادي) وهي مجموعات حوارات مع عدد من الشخصيات رفيعة المستوى لم يعرف كثير من الناس الجانب الآخر من حياتها كالنشأة والمولد والدراسة والانتماء السياسي وزملاء الدراسة والرياضة والفن في حياة تلك الشخصية وأيام الفرح التي عاشها وأيام الحزن، سلطناً الضوء على عدد كبير من الشخصيات وهم الآن من رموز المجتمع، مادة خفيفة سهلة الإطلاع توثق لأولئك الذين قدموا لهذا الوطن ولكن حياتهم الخاصة طي الكتمان أبرز تلك الجوانب المضيئة والمشرقة.
وعندما تولى الأستاذ “الكرنكي” منصب رئيس تحرير (الرائد) التي وئدت وتفرق دمها، أضفنا إلى تلك الأسماء نجوماً أخرى، وأطلقنا عليها اسم (نجوم قريبة) وتجاوز عددها أكثر من ثلاثمائة شخصية أصدرنا منها كتاباً باسم نجوم قريبة ـ الجزء الأول، وهناك ما يقارب الستة كُتب جاهزة بنفس الاسم في طريقها إلى المطبعة قريباً، استفدت من “الكرنكي” في التعرف على شخصيات كثيرة مثل “مهدي الشريف” و”المأذون السلاوي” و”الطيب خوجلي” و”بابكر حامد” ودالجبل باعتبارهم من العصاميين الذين شقوا طريقهم من الصفر، والآن أصبحوا نجوماً في المجتمع لم يركنوا لليأس ويفتخرون بأعمالهم التي بدءوا بها حياتهم، كـ”الطيب خوجلي” أشهر عجلاتي بأم درمان و”ود الجبل”، وقد رحل عن دنيانا عدد كبير من تلك النجوم، مثل مولانا “فتحي خليل” والفنان “نادر خضر” و”محمد وردي” و”زيدان إبراهيم” والأديب الشاعر “صديق مدثر” والبروفسور “عبد الله الطيب” والبروفسور “أحمد علي الإمام” و”نقد” وغيرهم، ونسأل أن يمد الله في أعمار نجومنا الباقين.
لقد فقدت القيادات المسئولة بالدولة الأستاذ “الكرنكي” عندما صُفيت صحيفة (الأنباء) وهو على رأسها، ولم يستشَر، وفقدته مرة أخرى عندما انحازت للطرف الآخر وترجل عن رئاسة تحرير (الرائد) بتقديم استقالته، وفقده الأستاذ “حسين خوجلي” لا ندري الأسباب، ونأمل ألا تفقده (الانتباهة).
لفت نظري أحد المحررين أمس إلى حوار بالزميلة (الانتباهة) أُجري مع الأستاذ “الطيب مصطفى” وكان مذيلاً باسمى، بالتأكيد أعاد نشره الأستاذ “الكرنكي”، ولا يعرف قيمته في هذا الوقت إلا “الكرنكي” ملك التوثيق.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية