ولنا رأي

وتتوالى المواجع!!

صلاح حبيب

لم تدر أسر أطفال نهر النيل الذين غرقوا في النيل اليومين الماضيين أن الغدر كان يخبئ لهم هذه الفاجعة المؤلمة، ولم يكن هؤلاء الأطفال الذين كانوا يمنون النفس بيوم دراسي يراجعون فيه حصص العربي والرياضيات ويسمعون الأناشيد والقرآن الكريم ، ويخرجون يلعبون في حصة الفطور، كانوا يأملون في هذه الزائلة أن تصبح كل واحدة منهن طبيبة أو مهندسة أو صيدلانية أو موظفة في أحد البنوك، لم يعرفوا أن الغدر كان يقف لهم بالمرصاد، ولم يعرفوا أن هذه المركب هي خيارهم الوحيد للوصول إلى الاخرة ، لقد تبددت كل آمال وتطلعات الأسر في هذا اليوم اللئيم.. لقد فاضت أرواحهم الطاهرة تحت الماء، الذي تعودوا أن يذهبوا عبره إلى مدارسهم يومياً، هذه مشيئة الله ولا أحد يستطيع أن يوقف القدر، أو يمنع قبض أرواح هؤلاء الصبية، وهى أقدار الله التي لا يغادر هذه الدنيا أحد إلا بالأسباب التي كتبها المولى لأي شخص ، حقيقة أنها فاجعة ومؤلمة لأهل هؤلاء الأطفال، فنسأل الله أن يتقبلهم قبولاً حسناً مع الشهداء والصديقين ، استمعت إلى حوار مع والي نهر النيل اللواء حاتم الوسيلة، فقال: إنه يتحمل المسؤولية الكاملة عن غرق هؤلاء الأطفال، واعتقد أنها شجاعة غير معهودة لدى مسؤولينا، ولكن ماذا سيفعل هذا الوالي مع الأقدار التي تأتي فجأة؟، صحيح سيدنا عمر بن الخطاب قال: إنه سيُسأل يوم القيامة إذا عثرت بغلة بالعراق لِمَ لم يسوِ لها الطريق، فالآن السيد الوالي ليس في استطاعته أن يقيم جسراً يربط بين الضفتين أو يقيم كوبرياً في تلك الظروف التي تعاني منها البلاد ، حديث الوالي طيب ويدل على صدقه وتحمله المسؤولية، ولكن إذا استقال هل الذي سيأتي من بعده يمكن أن يقيم جسراً في فترة وجيزة، وهل يمكنه أن يمنع حوادث السير، ناهيك عن حوادث الغرق . إن مشكلتنا أن أبناء السودان حينما يستوزرون لا يفكرون في انتشال مناطقهم من مثل تلك الحالات، فكل واحد أصبح وزيراً، فكر كيف يكون عنده بيت في الخرطوم، وكم عربية وكم، وكم ، ولكن منطقته ينساها تماماً حتى الذين حباهم المولى بالمال الوفير أيضاً تفكيرهم البقاء في الخرطوم، متناسين مناطقهم تماماً لم يفكروا في إقامة طريق أو دونكي للمياه، فتجد الإنسان والحيوان يشربون من مكان واحد، فانظروا إلى الغابات الأسمنتية الموجودة الآن في الخرطوم في كل المواقع: المنشية ،الطائف، الرياض، كافوري، من يسكن تلك المواقع الفاخرة؟، هل أولاد أم درمان أو أولاد بحري أو شمبات، بل تجد قاطني تلك المناطق من الريف، الذين جاءوا إلى العاصمة، وعندما عملوا القروش بالحلال أو الحرام المهم، استوطنوا في الأماكن (الهاي)، حتى مناطق الحاج يوسف وأمبدات لا يفكرون في شراء المنازل فيها، ولذلك لم يفكروا كيف ينتشلوا مناطقهم من الفقر والجهل والمرض، وأنا متأكد من أن واحداً من أبناء ولاية نهر النيل بإمكانه أن يقيم جسراً يربط بين الضفتين، أو حتى أحد القطط السمان بمفرده يمكنه أن يريح أهله من تلك المعاناة، ولكن التفكير دائماً فردي فلا أحد يفكر أن يعمل للجميع ، وإذا فكر أن يعمل تجده انتشل أسرته فقط من القرية وجاء بها إلى المدينة فبنى لهم منزلاً فاخراً إلى جواره، واكتفى بذلك، فبدل أن يعمر منطقته التي أخرجته إلى هذا العالم، فكر في الحل الشخصي ولذلك لا نتوقع أن ينهض الريف طالما أبناء الريف يعملون على الحلول الفردية، والضحايا من أبنائنا يموتون بهذه الصورة البشعة، نسأل الله أن يصبر أهلهم ، وأن تكون آخر أحزان الولاية ..وأن يتقبل الله الصغار ،ويعوض شبابهم الجنة.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية