لوحة رائعة رُسمت بقاعة الصداقة بالخرطوم، تمثل العرس الكبير لدولة جنوب السودان، التي تقاطر أبناء الجنوب الذين شردتهم الحرب إلى دولتهم الأم الشمال، جمع غفير من الإخوة الجنوبيين برقصاتهم المميزة يجوبون فناء القاعة، يرددون اسمي رئيسي البلدين “البشير” و”سلفاكير” ، نفس طريقة الاحتفالات التي كانوا يقيمونها عندما كانت دولة واحدة ،أحسست وزميلاي “مصطفى أبو العزايم” و”محمد الفاتح أحمد” ، رئيس تحرير الأهرام اليوم ، أن الجنوب لم ينفصل من خلال المشهد الذي رسمه الإخوة الجنوبيون نساءً ورجالاً وهم يتغنون بأهازيجهم وطقوسهم ورقصاتهم الشعبية العفوية. دخلنا إلى وسط إخوتنا الجنوبيين، والتقطنا معهم الصور التي تفاعلوا معنا ومعها بصورة تنم على الأخوة الصادقة، ولولا المؤامرات التي حيكت لانفصالهم عنا لما انفصلوا ، وهذا المشهد الذي كان أمامنا يؤكد على ذلك. إن توقيع الاتفاق بين الفرقاء الذي ضمته قاعة الصداقة أمس، يؤكد على أن الخرطوم مازالت تلعب دورها الريادي في المنطقة العربية والأفريقية، فقاعة الصداقة ورغم الإجراءات الأمنية المشددة، لكنها كانت تنبض بالفرح، فكان التنظيم والترتيب في قمته، فقد فُصلت القاعة إلى عدد من الأجزاء عكس ما كان متبعاً في لقاءات سابقة، فقد حددت للإخوة الجنوبيين مقاعدهم، وللإعلاميين مواقعهم، وللدبلوماسيين كذلك، وقفت المراسم على رجل واحدة، كما يقال، فلن تعرف هل مراسم الجمهورية أم مراسم جهات أخرى.. فقد كان الترتيب رائعاً، ولكن اختلف الموعد الذي حدد في الأول لمراسم التوقيع من الثانية عشرة والنصف إلى الخامسة من مساء نفس اليوم ، مما أربك الحضور ، ولكن دائماً أعراس السودان هكذا لا يبدأ الحفل إلا بعد أن يكتمل وصول العريسان، ولا تتذوق حلاوة الغناء إلا برقصات العروسين مع مشاركة الأهل والأحباب والأصدقاء ، فالعريسان تأخر وصولهما إلى البلاد الرئيس “سلفا كير” والرئيس اليوغندي “موسفيني” ، الذي له الفضل في وصول هذا اللقاء إلى بر الأمان.. وكان لا بد أن يكون “موسفيني” شاهداً على التوقيع لذا تم انتظار مقدمه الميمون . إن توقيع الفرقاء هو نهاية إن شاء الله لصراع دام لفترة طويلة من الزمن أخر البلاد والعباد عن الأمن والاستقرار والتنمية، وبهذا التوقيع إن شاء الله تطوى صفحة من المعاناة التي قاسى منها أبناء الجنوب والشمال على حد سواء ..فالشمال تأثر بالحرب الأهلية التي اندلعت بالجنوب، والجنوب تأثر أيضاً بها مما أفقد الكثيرين منهم الأمل في عودة الجنوب إلى أمنه واستقراره، إلا أن إرادة الجنوبيين أنفسهم، مع الدفعة القوية التي قام بها الرئيس “البشير” ووزراء الخارجية والدفاع والأمن والمخابرات، أدت إلى بلوغ هذه الغاية، وهى إنهاء حالة الاحتقان والحقد الجنوبي الجنوبي، فأمس كتب التاريخ صفحةً جديدةً للجنوب وللشمال، ولولا هذه الإرادة لما تم التوصل إلى هذا الاتفاق، فأمس طربت الخرطوم بالرقصات الشعبية التي أداها أبناء الجنوب من داخل قاعة الصداقة ومن أماكن إقامتهم بمدن الخرطوم المختلفة، وقد يسهرون حتى الصباح، فان كانوا قد سهروا من قبل بنيلهم الانفصال وتكوين دولتهم الوليدة، فاليوم هو العرس الحقيقي لهم، ومن حقهم أن يسهروا في الخرطوم وفي جوبا وفي كل مكان يبشرون بهذا الاتفاق الذي أعاد لهم الأمل من جديد لبناء وطنهم، ونحن نقف معهم حتى يعم الأمن والسلام والاستقرار كل ربوع دولة الجنوب.
اشترك بالنشرة البريدية ليصلك كل جديد
مقالات ذات صلة
شاهد أيضاً
إغلاق