ما هو سر الطموح السياسي البائن الذي يقوده الشيخ “محمد بن زايد” ولي عهد أبو ظبي والذي يجسد عقلية الدول الكبرى، فقد صار التمدد الإماراتي الكاسح في المنطقة أوضح من الشمس في رابعة النهار.. حيث يقوم على صيغة النفوذ الإستراتيجي وبناء موطن القدم والتحكم الذاتي، فقد تجاوزت الإمارات دورها في التحالف الرباعي ضد قطر في منطقة الخليج العربي، وزحفت إلى منطقة خليج عدن والبحر الأحمر من خلال بصماتها في جزيرة سوقطرة ومرافئ جيبوتي.. وها هي الآن تصل إلى القرن الأفريقي..! إنها سياسة الشيخ “محمد بن زايد” التي ترتكز على الخطوات الجريئة والنشاط الحيوي الطموح والتحركات غير المسبوقة، فقد استطاع الرجل أن يجمع أعداء الأمس (إثيوبيا وإريتريا) خلال الأيام الفائتة في أبو ظبي، في مشهد دراماتيكي لا يوصف!.. الشاهد أن “محمد بن زايد” لا يقوم باستعراض سينمائي بلا أهداف فهو يطبق سياسة مدروسة طويلة الزمن على إيقاعات عصرية في المنطقة تقوم على أسلوب العمل المباغت والمصالح البعيدة والمفاهيم المعادية للإسلام الأصولي، والتطلع إلى بناء الإمارات على خطوط العالم الجديد، فهو يمارس استخدام الجذب المغناطيسي بواسطة المال والمساعدات والدهاء وربط الخيوط ببعضها للوصول إلى أهدافه.. صار حكام الخليج العربي الشباب طموحين يتطلعون إلى أدوار مهمة وكبيرة لبلادهم ونفوذهم على الكراسي وهم يعولون على سلاح المال الذي يصنع كل شيء، وبذلك يريد “محمد بن زايد” قيام دولة الإمارات على صورة مغايرة في المستقبل ولا يهم من يخسر ومن يتراجع جراء هذه السياسة النوعية.
لا بد من التذكير بأن هنالك حسابات دقيقة ومراجعات شاملة ينبغي أن تدرس بعناية فائقة من جانب حكومة الإنقاذ بشأن المحطات الكثيرة التي ظهرت في التمدد الإماراتي، مثل دورها في أزمة الخليج وعاصفة الحزم والموقف من الأصولية الإسلامية والملف الإثيوبي الإريتري، وهي محطات مرتبطة بالخرطوم على وجه الخصوص.. بناءً على هذه المعطيات لا بد من القول، ماذا تعني تحركات الإمارات التي جمعت بين أديس أبابا وإثيوبيا بالنسبة للخرطوم، وهما جارتا الحكومة السودانية؟ وكيف تنظر الخرطوم إلى شكل العلاقة في الظرف القادم مع إثيوبيا في ظل الحاكم البراغماتي “أبي أحمد” بعد المصالحة مع أسمرا التي تخاصم السودان وأمامنا الحدود المقفولة والملتهبة بين الخرطوم وأسمرا.. وما هي أبعاد التمدد الإماراتي الواسع على الخرطوم بعيداً عن المشاهد الدبلوماسية المليئة بالعبارات والمواقف الفخيمة! من الواضح أن الحكومة السودانية تعلن أنها تتعامل مع المحورين المتخاصمين في المنطقة وهما (محور الخليج ومحور قطر وتركيا) بمنهج الاعتدال والحيادية، فهل الطرفان يقبلان بذلك وبالذات الطرف الخليجي، علاوة على ذلك ماذا يمثل الموقف الإماراتي في الملف الإثيوبي الإريتري على السودان إذا تم استثماره لتقوية ذراع محور دول الخليج؟.. وهل يمكن أن يكون نقطة الانطلاق لمحاصرة الخرطوم من خلال مشروع كبير لم تتضح معالمه؟ وفي الجانب الآخر لا يفوتنا التركيز على الأشياء التفاؤلية والتوقعات الإيجابية التي تتشكل جراء انتهاء القطيعة بين أسمرا وأديس أبابا، والتي تؤطر إلى غياب الضرر على الخرطوم في ظل التآخي بين الجيران.. مهما يكن فإن القاموس السياسي لا يتعامل بالبراءة والنوايا الحسنة، فهو إلى حد كبير يراهن على المصالح والمناورة والتحوطات التي تمنع وقوع العاصفة.