في إحدى صباحات العام 2009 تقريباً أن لم تخن الذاكرة طلب مني الأستاذ “إدريس حسن” مؤسس ورئيس تحرير صحيفة (الوحدة) آنذاك، أن أرافقه إلى دار المؤتمر الوطني بغرض تغطية النهضة الزراعية التي دعا لها السيد رئيس الجمهورية، عندما دخلنا دار المؤتمر الوطني وجدنا عدداً من الآلات الزراعية تراكتورات، وجمع غفير من السياسيين أصحاب الجلباب الأبيض والشالات المطرزة، في حالة من الفرح والنشوة بتلك الدعوة، ومكبرات الصوت تتعالى فوق الاذان، ظننت وقتها أن تلك اللحظة هي بداية المشاريع الزراعية التي تؤكد أن السودان هو (سلة غذاء العالم) شعرت بالسعادة بأن الذي كنا نسمعه عن السودان سيصبح حقيقة، وإلا لما أتت كل هذه الجموع من الصباح الباكر يحدوها الأمل بتحقيق رغبة السيد الرئيس، ولكن ما إن انتهى هذا اللقاء لم نسمع شيئاً عن تلك النفرة ولا عن الأراضي الزراعية المقترح زراعتها، بكل ما لذ وطاب من ثمار السودان، فالنفرة الزراعية أصبحت حبر على ورق فبدلاً أن نكون سلة غذاء العالم، الآن نستجدي العالم ليطعمنا، بل أتينا بكل من أراد الاستثمار في بلدنا ويا ليته استثمار يكون عائده لنا فالعائد للمستثمرين العرب، وقد ارتفعت أسعار كل أصناف الأطعمة التي كانت في متناول اليد، فلن يصدق أحد أن السودان البلد الزراعي يصل فيه كيلو الطماطم إلى ثمانين جنيهاً وكل الخضروات التي يتم ريها من النيل الجاري في طول وعرض البلاد إلى عشرات الأضعاف عن الأسعار السابقة، حدثني أحد المهتمين بالزراعة بالداخل والخارج من السودانيين وأحد المتخصصين فيها من الدول الأوربية من خلال جهاز الموبايل كيف يتم زراعة الأرض وكيف يتم تسميدها وكيف يتم رعيها بطرق علمية حديثة لا يعرفها المواطن السوداني فلو ترك الأمر إلى العلماء من أبناء السودان لعادة الفائدة أضعاف ما هو متوقع، ولكن يبدو أن الدولة لا تهتم بالعلم والعلماء وإلا لكانت النهضة الزراعية التي دعى إليها قبل عشر سنوات قد اتت أكلها الآن بل كانت الإنتاجية قد كفت الداخل والخارج، فالعالم الآن يريد أن يأكل طعاماً فرش وهذا لا يتوفر إلا في السودان إذا كانت هناك إرادة جادة لجعل اسم السودان في كل محفل، فالمملكة العربية السعودية الآن تستجلب خضارها وفاكهتها من بلدان تبعد عنا عشرات الساعات، فلو اتفق على منح المملكة بصلاً فقط لعاد إلى البلاد بملايين الدولارات، أما الطماطم التي وصل سعر الكيلو منها إلى سبعة ريالات فلو بيعت بثلاثة ريالات أو خمسة فكم من العُملات الصعبة تدخل على البلاد من الطماطم والمسافة من بورتسودان إلى جدة فردة كعب كما يُقال، وهذا يعني أن المملكة يمكن أن تأكل طعامها فرش مع السودان، بمعنى إذا صحا المواطن السوداني وذهب إلى إلى أي جزارة أو ملحمة وفي نفس الوقت ذهب المواطن السعودي إلى أي بقالة في جدة أو الرياض يمكن أن يتساوى مع مواطن الخرطوم في الطعام الفرش، ولكن أين هذه العقلية التي يهمها الوطن وأين الدولة التي تبحث عن الحلول لاقتصادها عن طريق الودائع والهبات ولديها ما يوفر لها سمعتها من خلال الزراعة فقط، فامنحوا العلماء الفرصة ليقدموا لكم رؤيتهم في المشاريع الزراعية التي تدر على البلاد العُملة الصعبة، ويمكنهم أن يعيدوا مشروع الجزيرة خلال فترة وجيزة إذا منحوا الثقة، فالزراعة اليوم ليست الزراعة التقليدية، ولكن العلم تطور ويمكن أن يقدم لنا العلماء ما يرونه اليوم وليس ما كنا نراه بالأمس، فالزراعة هي مخرج البلاد من الهوة التي هي فيها الآن فانظروا إلى تلك القائمة السعرية التي لاحظتها قبل أيام بالمملكة العربية السعودية، كيلو البرتقال خمس حبات بثمانية ريالات، والريال بعشرة جنيهات، كيلو الطماطم بسبعة ريالات والريال بعشرة جنيهات الخيار بستة ريالات، والموز الكيلو فيه خمس قطع بسبعة ريالات، وقس على ذلك بقية المنتجات الزراعية التي يمكن أن يوفرها السودان وتعود إليه بالعُملة الصعبة.