أجبرتني الظروف بعد عُمرة رمضان، أن تكون وسيلة عودتي إلى الخرطوم طيران العربية، التي كانت أقل أسعار الطيران وقتها، بعد أن استغلت بعض شركات الطيران ظروف المعتمرين وقامت برفع أسعارها فوق طاقتهم، إذ إن التذكرة الواحدة للعودة بلغت بالريال ما يقارب العشرين مليون جنيه، إن طيران العربية والتي لم احظ بالسفر عبرها إلا في تلك الحالة، فواجهتني أول مشكلة معها في الميزان، فالعربية لا تسمح للراكب أن يحمل أكثر من ثلاثين كيلو أي شنطة واحدة، وأن يحمل في يده سبعة أو عشرة كيلو، وكل وزن زائد على الراكب أن يدفع مقابله أكثر من خمسين ريالاً أي ما يعادل (500) ألف جنيه سوداني، لقد أصر الموظف أن اخفض وزن الشنطة التي أحملها في يدي وإما أن ادفع مبلغ الوزن الزائد، فعملت على تخفيض الوزن الزائد، فعبرت الجوازات ومنها إلى السوق الحُر ثم الانتظار إلى الإقلاع، صعدت السلم وحجزت مقعدي ضمن الركاب المسافرين إلى الشارقة ومنها إلى الخرطوم، لم اتوقع أن يكون الأكل داخل الطيارة بالقروش، رغم أنني سافرت مئات المرات داخلياً وخارجياً وكانت وجبة الطعام تأتيك مجرد إقلاع الطائرة من عدة أصناف.. ولكن حينما قالت المضيفة على السادة المسافرين أن ينظروا إلى الكتيب الموجود أمامهم وعلى كل واحد أن يختار الوجبة التي تناسبه وحتى تلك اللحظة لم اصدق أن الطعام بالفلوس إلى أن مرت المضيفة لتكتب طلبات الركاب الراغبين في الشراء ومن ثم تحديد قيمة ما يدفعون نظير تلك الوجبة، حينها طلبت كوباً من الشاي فسألتها عن قيمة كباية الشاي، فقالت لي ثمانية ريالات بالسعودي وسبعة دراهم بالعُملة الإماراتية، دفعت لها عشرة ريالات سعودية أي ما يعادل مئة جنيه سوداني نظير كباية الشاي، وأنا معلق بين طيات السحاب، نظرت إلى العديد من الركاب فلم الحظ من تقدم للشراء إلا بضع نفر منهم، لم أعرف السبب في دفع الركاب لوجباتهم وهم من يدفع مبالغ طائلة نظير تلك الرحلة، وهذا النظام متبع في كل خطوط الطيران ولم تصادفني رحلة منذ أن بدأت ركوب الطائرات في العام 1978 لا تقدم فيها وجبة إفطار أو عشاء إلا في تلك الرحلة وعبر هذه الخطوط وقلت في نفسي على ركاب العربية والمسافرين إلى أي منطقة من العالم عليهم أن يحملوا معهم سندوتشات مع حافظة للمياه وسيرمس للقهوة وأخرى للشاي مع قطع من الموز أو البرتقال أو الكيك للتحلية حتى لا يحدث لهم ما حدث لي أو للمسافرين الآخرين الذين غابت عنهم تلك المعلومة، ولا ادري ما هو سر انعدام الوجبات المجانية في سفرية العربية وربما هناك خطوط أخرى اتبعت نفس الطريقة لا ندري ما هي إلا عند كشفها إذا دعتنا الظروف للسفر بها، بجانب التمسك والصرامة في الوزن الزايد.. فإذا وافقت الجهات المسؤولة عن تلك السفرية بالوزن الزايد فلماذا رفع القيمة أكثر من اللازم فهل شراء عدد من الملابس أو غيرها من الأمتعة التي لا تتجاوز قيمتها الخمسين ريالا أو أقل من ذلك، فهل يعقل أن أدفع لها أكثر من خمسمائة ريال أي ما يعادل خمسة ملايين جنيه سوداني، فيا إدارة شركة العربية لا تطردوا الزبائن بهذا التعسف الشديد في الوزن، فأعيدوا وجباتكم حتى يحس المسافر بطعم السفرية التي هو على متنها.