مخيفة هذه الغيوم الداكنة التي صارت سمة بارزة في الساحة الوطنية فقد تجاوز إيقاعها الدامي والكارثي حدود المعقول، وصارت العقول والنفوس لا تصدق هذه التصرفات المؤسفة والأفعال الخطيرة، بأنها يمكن أن تحدث بتلك الصور الفاضحة من وراء الحدود، دون أن يرف جفن لأبطالها الذين تدثروا بثوب الصولجان غير مكترثين بأية عقاب أو حساب من أي جهة.
تعالوا نرى ماذا فعل هؤلاء؟.. فقد باعوا بيوت السودان في بريطانيا بأسعار زهيدة لا تماثل الأسعار العالمية، وقد حدث ذلك في صمت رهيب دون تطبيق اللوائح الصحيحة والإجراءات القانونية المطلوبة.. فمن الواضح أن هذه الهجمة الطفيلية التي لا تراعي مصلحة البلاد قد انتقلت من الداخل إلى ما وراء البحار.. فمن الذي وافق على هذه الخطوات المسيئة للسودان؟.. ومن هم أصحاب المصلحة في هذا العمل المهزوز؟ وما هي مسؤولية وزارة الخارجية ورئاسة الجمهورية؟
الشاهد أن ممتلكات السودان بالخارج بنيت بالعرق والفكرة الثاقبة والفلسفة الدبلوماسية العريقة، فكيف يتم التخلص منها بتلك الصور الموجعة التي تتنافى مع مسؤولية الضمير الإنساني والبُعد الوطني العريق والهمة السياسية الناضجة، علاوة على ذلك فإن من المشاهد الغريبة ما ذكرها وزير مجلس الوزراء، الأمير أحمد سعد عمر” عندما قال إن بيت السودان بعاصمة الضباب بيع بمبلغ (16) مليون جنيه إسترليني لعدم وجود ميزانية تكفي للصيانة، فكيف يباع عقاراً مهماً لعدم وجود مبلغ الصيانة؟، فهل هذا منطق مقبول، وأليس من الحكمة والتعقل أن يبقى العقار رمزاً لاسم السودان ورائحته ونكهته إذا كان مبرر البيع غياب فلوس الصيانة!! بل لماذا يضع “الأمير أحمد سعد” نفسه في هذا الوضع المرتبط بدفتر التاريخ!
وفي السياق يقولون إن الحكومة باعت (11) عقاراً من جملة عقارات السودان ببريطانيا البالغة (14) عقاراً، ولقد تم ذلك في صمت واضح غير أن المعلومة راجت في الفضاءات في زمن لا يعرف الأسرار والمكنونات.. والسؤال الكبير ماذا عن بيوت السودان في سويسرا وألمانيا وإيطاليا ودول آسيا والخليج والدول الأخرى إذا وجدت؟ وهل هنالك مشروع قادم لبيعها وبأي طريقة سوف يتم ذلك؟
أخطر ما في قرارات بيع ممتلكات البلاد بالخارج، أنها تقصم ظهر الدبلوماسية الوطنية وتضعف دورها وصولجانها وتجعل سمعة الطاقم الدبلوماسي الوطني كأنهم مجموعة سماسرة في سوق العقارات، فالمباني الوطنية لأي بعثة دبلوماسية في العالم هو عنوان الاستقرار السياسي والفخامة المعنوية للبلاد التي تمثلها، ومن هنا لا بد من القول.. ما هو ذنب الدبلوماسي السوداني بالخارج حين يجد نفسه في موضع غير لائق بسبب قرارات المتنفذين السياسيين بالداخل الذين صارت أولوياتهم بيع أي شيء، من سودانير إلى الشركات الحكومية والفلل الرئاسية والأراضي على النيل حتى عقارات ما وراء البحار!