شهر رمضان من الشهور العظيمة والكريمة على العباد، ولذلك نجد في كل الدنيا الناس تبحث عن الثواب ونلاحظ هذا في المملكة العربية السعودية أرض الحرمين الشريفين، فما إن يهل الشهر الكريم تجد أهل الخير يتدافعون لتقديم المساعدة والعون على الفقراء والمحتاجين، وإذا دخلت الحرم الشريف تجد كل اتى بطعامه ليشرك الآخرين معه وحتى الأسواق نجد التجار يخفضون أسعارهم أحياناً إلى النصف رحمة بالعباد، ولكن نحن في السودان يعتبر التجار أن شهر رمضان هو شهر الغنى وزيادة المال فكل صاحب سلعة زادها مية المية، وها نحن في اليوم الأول من الشهر الفضيل لاحظت في الأسواق أن كل السلع ارتفعت أسعارها بصورة جنونية وكأنما هذا الشهر شهر حصد المال من الغلابة والمساكين، سألت صاحب فواكه كم سعر دستة البرتقال؟ لم اصدق الرقم الذي ذكره من هول الصدمة التي وقعت علىَّ ومن هذا التاجر الاستغلالي، وفي هذا الشهر العظيم قال لي إن سعر دستة البرتقال بـ(150) جنيهاً، وفي وقت قريب لم تتعدَ الأربعين أو الثلاثين جنيهاً، أما الفراخ التي كان والي الخرطوم الأسبق الدكتور “عبد الحليم المتعافي” قال إنها ستكون طعام الفقراء، ارتفع سعرها من ستين جنيهاً إلى مائة وخمسة وثلاثين جنيهاً، أما اللحمة وهي من إنتاج السودان وتطعم من برسيم السودان أو من عشب البلاد، وصل سعر الكيلو مائة وثمانين جنيهاً، وكذا الحال على الخضار المنتج محلياً ولم ينقل عبر الجرارات أو البرادات عابرة للقارات، وإنما تزرع الكوسة والطماطم والعجور والملوخية وغيرها من الخضروات بأرض سودانية ومياه سودانية، ولكن الأسعار لو قيل لك في أي دولة تنقل لها هذه الخضروات بالطائرات أو السفن فلن تصل أسعارها ما وصلته في السودان، هل يعقل يا ناس أن يكون سعر كيلو الطماطم السودانية وفي هذا الشهر الكريم أن يصل إلى سبعين جنيهاً؟ وهل تصل الليمونة الواحدة إلى جنيهين؟ هذا شهر حصد الثواب وليس العقاب، ولكن التجار لا يهمهم أن ترفع درجاتهم إلى العلي القدير بقدر ما ترتفع أموالهم في هذا الشهر إلى مليارات الجنيهات في شهر واحد.. أين الرحمة والعطف السوداني على عباده، فالسوق أصبح سوقاً اشبه بسوق المافيا، فلو لم تكن تلك الأراضي الخصبة الشاسعة والواسعة كيف سيكون حال العباد في هذا البلد، يقال رمضان أحلى في السودان، ولكن بهذه الحالة فرمضان أشقى في السودان، وإذا نظرنا إلى المواصلات أيضاً لا تقل استغلالية من تجار السوق، فليس من المنطق أن تزاد التعريفة إلى أضعاف ما كانت عليه فلا الدولة تدخلت ولا شرطة المرور قالت كلمتها ولا المواطن امتنع من الركوب، فصاحب المركبة لا يهمه المواطن بقدر ما يهمه في هذا الشهر أن يكسب أضعافاً ما كان يكسبه في الشهور الأخرى، فرمضان شهر الرحمة والعبادة وكسب الثواب والتخفيف على العباد، ولكن كل واحد أصبح همه كيف يخرج من هذا الشهر وقد اكتنز الأموال الطائلة على الضعفاء والبؤساء من هذه الأمة الصابرة، أيها التجار اتقوا الله في ما تبيعونه واتقوا الله في ما تكسبون من مال في هذا الشهر فارفأوا بالمساكين والغلابة من هذه الأمة عسى ولعل أن يرحمكم الله، ويا أصحاب المركبات زيادة تعريفة بالحرام تكلفك اسبير بملايين الجنيهات، فاتقوا دعوة المظلوم في هذا الشهر.