إبان الحُكم المايوي وهو أشبه ما نعيشه الآن من أزمات في الوقود والغاز وحتى الكهرباء التي تتأرجح في استقرارها، وفي ظل تلك الأزمات كان لابد من توفر البنزين على الأقل جالون ويوضع داخل الحمام من أجل الطوارئ، المرأة الحامل وفي شهرها الأخير يتوقع أن تلد في أي لحظة، فلابد من بنزين لنقلها إلى المستشفى. والجاز الذي يمكن أن تضاء به اللمبات الصغيرة أو ما يطلق عليه الفانوس، فكان لابد من الاحتفاظ بجزء قليل منه في المنزل عند انقطاع الكهرباء، والتي لا يتوقع أن تعود إلا بعد يوم أو يومين فكان لابد من توفرها بأي منزل، واذكر أن الوالدة رحمة الله عليها كانت تحرص على الاحتفاظ بالجاز وتسعى للحصول عليه بأي طريقة لإضاءة اللمبات أو صبه لإشعال نار الفحم.. واذكر أن طفلة شقيقي ولم تتعدَ العامين تقريباً حصلت على زجاجة الجاز أثناء حركتها داخل المنزل وشربت منها، ونقلت على عجل إلى المستشفى، وعندما عرضت على الطبيب سأل ماله الطفلة دي؟ قالوا ليه: (شربت جاز).. وبطريقة عفوية ودون ما يشعر قال لأسرتها لقته وين الشافعة دي؟، ونحن نعيش هذه الأيام أزمة طاحنة في الوقود وعلى رأسها الغاز، الذي أصبح أهم للأسر من البنزين، ومنذ أن تركت الأسر استخدام الفحم بعد توفر الغاز في العام 2000 تقريباً، لم تتعرض أي أسرة إلى انعدام في الغاز بهذه الصورة التي نراها الآن، حتى أيام صيانة المصفاة في الأوقات السابقة لم ينعدم الغاز، فإذا غابت شركة من الشركات يمكن أن تكون هناك شركة بديلة، ولكن أن يكون الغاز قاطع في كل شركات الغاز، هذا أمر يحير.. فمعظم الأسر الآن تحمل أسطوانات الغاز إما في سياراتها وتجوب كل الأمكنة، فلم تعثر عليه أو تطوف بواسطة الركشات الحارات، التي يقل استعماله فيها وتدفع لصاحب الركشة آلاف الجنيهات، وفي النهاية تعود بخفي حنين، أما إذا عثرت عليه فكأنما عثرت على لبن الطير، وأحياناً يستغل أصحاب المحلات الموقف فإذا كانت الأسطوانة بـ(150) جنيهاً والتي ارتفع سعرها عشرات المرات من السعر السابق، تجد أصحاب تلك المحال يضاعفون السعر إلى أن يصل (300) جنيه، وهذا استغلال بشع منهم فالندرة أحيانا تجعل المواطنين أكثر طمعاً ويريدون أن يغتنوا بأسرع ما يمكن وهذه الأزمة شفنا فيها العجب.. فأصحاب الطلمبات لم يراقبوا العاملين معهم فتركوا لهم الحبل على الغارب يتعاملون مع السماسرة بطريقتهم مما شجع السوق الأسود وسطهم ووسط أصحاب المركبات، كذلك الذين استغلوا الظرف وضاعفوا من تعريفة المواصلات فأي مشوار زيدت تعريفته مية المية، وأي صاحب ركشة أصبح لا يرضى بأقل من عشرين جنيها للمشوار الذي كان يمشيه بعشرة جنيهات، أما المشاوير الطويلة فأصبحت لا تقل عن خمسين جنيهاً، فلا ندري أين الحكومة وأين المعتمدين وأين الرقابة أن كانت من الشرطة أو الأجهزة الأمنية أين كل هؤلاء وهم ينظرون إلى الفساد يمشي على رجليه بين الناس، كل واحد أصبح يعمل بطريقته الخاصة طالما الدولة غائبة تماماً عن ممارسة دورها، والأزمة ليست في الوقود أو الغاز وإنما الأزمة أصبحت مستغلة في كل شيء حتى التجار أصبحوا يمارسون أدواراً قاسية على الشعب، فمن أراد الشراء فليشتري، والما عاجبه يقع البحر، لأن غياب القانون أتاح لهم هذه الفرصة وكذلك أصحاب المركبات العامة الذين استغلوا حاجة المواطنين وإرهاقهم والانتظار لفترات طويلة في الحصول على وسيلة مواصلات تقلهم إلى مساكنهم، فإذا لم تتحرك الدولة فالأمر سيكون اسوأ، وداخل علينا شهر رمضان.