الناظر إلى الحياة السياسية في السودان يتعجب للذي يجري فيها ولم يصدق أحد أن الأوضاع تسوء إلى هذه الدرجة، وكأن لعنة أصابتها فالحكومة التي كان ينتظرها الكل بفارق الصبر لحل قضاياه تبدد كل شيء وأصبحت الحياة تسوء كل يوم فتبدد الأمل وخاب الرجاء ولا أحد يأمن يوم غدٍ للوعود التي تقطعها الحكومة كل يوم بالوصول إلى الحل، فها هي أزمة البترول تدخل أسبوعها الثاني ولا أمل في الانفراج الكلي، وعاد الناس إلى أيام مايو الأخيرة أو أيام الديمقراطية الثالثة قبل مجئ الإنقاذ، فالمواطن يحلم بالأمن والاستقرار ولكن الحكومة في كل يوم تخلف وعودها مما زاد من مخاوف المواطنين، سمعنا أن عدداً من بواخر مليئة بالبترول وهي في الميناء في انتظار تفريغ حمولتها ولكن كل يوم الصفوف في زيادة ولم نسمع باخرة واحدة وصلت شحنتها إلى الخرطوم، وكأنما الحكومة تحاول أن تخدر في الشعب بتلك الأخبار، ولكن حينما يصبح الصباح يكون الحال ياهو نفس الحال لا بواخر ولا بنزين ولا جازولين والصفوف في زيادة وأصحاب المركبات يأسوا من تلك الصفوف الطويلة والمبيت في الطلمبات.. فمات الأمل في داخلهم.. وكادت الحسرة أن تقتلهم والحكومة كأن الأمر لا يعنيها، لا ندري هل فعلاً هناك أزمة مستفحلة يصعب حلها أم أن هناك صراع مصالح وقع ضحيته المواطن المسكين، وإلا لماذا تطاولت الأزمة التي لم نشهدها منذ عشرين عاماً، وأين التضحيات التي كان يقوم بها أهل الإنقاذ وحلهم للمشاكل؟، يبدو أن الصراع بدا بسبب المال والتضييق على القطط السمان التي لم نرَ واحدة قد تم ضبطها، ولا السيد الرئيس استطاع أن يقنع هذا الشعب أن الأزمة أصلها القطط السمان، فإذا كانت أصلاً سببها هؤلاء لما وصلت الضائقة المعيشية إلى ما وصلت إليه ولا الأسواق مشتعلة يومياً، ولا الأمن الاقتصادي ولا غير ذلك استطاع أن يوقف هذا التدهور المستمر، السوق كل يبيع بطريقته والدولار لا أحد يستطيع أن يحصل عليه بعد الإجراءات التي اتخذت، وكان من المفترض أن تعيده إلى وضعه الطبيعي، ولكن كل العُملات الأجنبية في حالة صعود مستمر فإن أردت الشراء فلن تستطيع وإن أردت البيع الكل يخشى على نفسه، لذا يجب أن تعيد الدولة النظر في القرارات التي اتخذت عسى ولعل أن تنفرج الأزمة من الحالة التي نحن عليها، فرمضان على الأبواب والبلاد في حاجة إلى مستلزماته والأسواق تكاد أن تكون قد جففت تماماً من كل شيء مستورد ولا أحد استطاع أن يزيد الإنتاج فالمواد البترولية التي يمكن أن تساعد في الزراعة، ها هو الموسم الزراعي يكاد أن يفشل بسبب المواد البترولية.. والسيولة التي يمكن أن تعين المواطن في عملية شراء احتياجاته قفلت البنوك عليها بالضبة والمفتاح، إننا مشفقون على الحالة التي نحن عليها فإن رجال الإنقاذ هم الآن في صراع فيما بينهم، فما ذنب المواطن المسكين الذي يرغب في لقمة عيش حلال لا علاقة له بالقطط السمان أو الضعاف، نسمع عن تعديل وزاري قريب جداً ولكن ما هي فائدة هذا التعديل في ظل الظروف التي نحن عليها الآن، وهل الذين سيأتون في التعديل الجديد يملكون عصا موسى لحل المشكلة الاقتصادية؟، إن الحالة التي تعيشها الدولة الآن تحتاج إلى تصالح داخلي في ما بين المتصارعين، وإلا فإن الأزمات ستتواصل ولا ندري ما هم المصير من بعد ذلك؟.