هل فشلت صحافة الحكومة؟!! (13)
كانت صحيفة (السودان الحديث) تقع على بضع أمتار من مسجد (فاروق)، وكنا دائماً نحرص على أداء صلاة الجمعة فيه، وفي إحدى المرات ونحن خارجون من المسجد في طريقنا إلى الصحيفة وجدت الأستاذ (أمين حسن عمر) قبل أن يصبح دكتوراً راكب مع الدكتور (عوض الحسن النور) عرفت فيما بعد أنه نسيبه، سلمت على الأستاذ (أمين) وقلت له: (أنا صلاح حبيب، رد عليَّ: بالله هو دا أنت، كنت فاكرك أصغر من كده بكثير)، المهم قلت ليه (نحن عاوزينك في حوار) ووقتها كان يشغل منصب السكرتير الصحفي لرئيس الجمهورية، لم يمانع ووافق على الفور وحدد الزمن، وفي اليوم المضروب ذهبت إليه في القصر وأجرينا الحوار، وقبل الختام قلت له (يدور هناك همس عن محاولة لدمج صحيفتي (السودان والحديث) و(الإنقاذ) في صحيفة واحدة، رد عليَّ قائلاً: (ليس همساً وإنما جهر، نعم سنعمل على دمج الصحيفتين وكل المطبوعات (سودان ناو) و(المخبر) في مؤسسة إعلامية).
عدت إلى الصحيفة أحمل النبأ بدمج صحيفتي (السودان الحديث) و(الإنقاذ) حيث تصدر الخبر عنوان الصحيفة في اليوم التالي.
وبدأت إجراءات الدمج، وجاء الأستاذ (أمين) إلى الصحيفة وشرع في تكوين لجان لعملية الدمج، وكلف الأستاذ (عمر إسماعيل) بحكم منصبه كسكرتير تحرير بحصر أجهزة الكمبيوتر وكل شيء متعلق بالطباعة، كما كلفت لجان مختصة بالصحيفة الجديدة، كلفت بتولي منصب سكرتير تحرير صحيفة (السودان الحديث) ريثما تصدر الصحيفة الجديدة، اقترحت عدة أسماء فكانت (الأنباء) و(النبأ) وغيرهما من الأسماء الأخرى، ولكن استقر الرأي على صحيفة (الأنباء)، وطرح الاسم في مسابقة وفاز مصمم صحيفة (السودان الحديث) “عمر قرشي” بتصميم اسم (الأنباء)، ورغم اختلاف البعض على الشكل، لكن الأستاذ (أمين) أصر عليه، وكونت لجنة للنظر في صحيفة اقتصادية كانت برئاسة الأستاذ (أحمد كمال الدين) الذي كان يشغل منصب رئيس تحرير صحيفة (المخبر)، وهناك صحيفة رياضية وصحيفة اجتماعية.
الأستاذ (أمين) كان يحلم أن تكون هناك صحيفة سودانية تشبه صحيفة (الأهرام) المصرية وتصدر منها عدد من الصحف والمجلات الأخرى.
أفكار (أمين) كانت نيرة، ولكن ليس باليد حيلة لأن صناعة الصحافة مكلفة وتحتاج إلى رأس مال كبير، لقد وعدت الدولة أن تمنح الأستاذ (أمين) تقريباً ثلاثة مليارات جنيه إن لم تخني الذاكرة، ولكن ما أظن الدولة دفعت منها شيئاً.
بدأت اللجان عملها ووضعت خططها وشكل الإصدارات الجديدة الاقتصادية منها والاجتماعية، فيما كانت صحيفة (السودان الحديث) تواصل صدورها بعد أن طُعمت بعدد من المحررين الذين كانوا يعملون بصحيفة (الإنقاذ) مثل (سليم عثمان) لقسم الأخبار وآخرين وشغل (عوض التوم) رئيس قسم الأخبار، وتواصل العمل في الصحيفة على الرغم من أن الجميع كان يعلم أن الصحيفة بعد ثلاثة أشهر ستغيب عن الأنظار، فبدأنا نعمل بكل همة ونشاط، كل في دائرة اختصاصه ونصدر الصحيفة يومياً، كانت تقع على عاتقي مسؤولية كبيرة رغم أن الأستاذ (النحاس) ما يزال يشغل منصب رئيس التحرير، لكن حماسه كان أقل، فكنت أحياناً رئيساًً لـ(القسم الدولي) وأحياناً لـ(القسم الاقتصادي) بجانب عملي كسكرتير تحرير، كنت لا أود الفشل رغم علمي أن الصحيفة منتهية، كنت أحمل حلوى في جيبي لترغيب العاملين في قسم الجمع عندما يتكاسلون عن العمل، وأملأ الأعمدة عندما يغيب كاتب العمود، وأحرر الصفحة الاقتصادية عندما يغيب المسؤول عنها، وكذلك الصفحة الدولية إلى أن انتهت الفترة بسلام، وانتقلت مباشرة بعد أن أغلقت صحيفة (السودان الحديث) يوم 25/5/1997 لتصدر صحيفة (الأنباء) في يوم 26/5/1997م.
ونواصل