الاتفاقيات أسعدت المواطن ولكن يريد تنزيلها على الواقع!!
غمرت السعادة كل أهل السودان في الشمال والأخوة في الجنوب بتوقيع الاتفاقيات التسع التي بعثت الأمل من جديد لحياة ملؤها الحب والسعادة بين البلدين اللذين مزقتهما الحروب قبل الانفصال وبعد الانفصال.
ما أحلى حلاوة النصر، وما أحلى الفرحة عندما يخرج المواطن منتشياً فرحاً دون أن يطلب منه أحد أن يخرج إلى الشارع يضرب النحاس والطبول، ويحمل علم الوطن في عفوية.. تلك السعادة تجسدت في وجوه أبناء الوطن الذين خرجوا لاستقبال رئيس الجمهورية من تلقاء أنفسهم، وقد فعلوها مراراً وتكراراً، فعلوها عندما استردت القوات المسلحة هجليج التي أُغتصبت عنوة من قبل الحركة الشعبية.. وفعلها المواطن عندما حاول “أوكامبو” أن ينال من رمز سيادة الوطن ورئيس البلاد، خرجت الجماهير دون أن يقال لها أخرجي، خرجت الجماهير لحماية رئيسها وقائدها، لم يشذ عن الخروج معارض أو حكومة، الجميع كانوا على قلب رجل واحد، وفعلها أبناء الوطن عندما وصل منتخبنا الوطني إلى نهائيات أمم إفريقيا بعد طول غياب.. وهاهو الشعب يخرج فرحاً بتوقيع الاتفاقيات التي تعيد للاقتصاد السوداني عافيته بعد أن أغلق ضخ البترول، وارتفع الدولار إلى أكثر من ستة آلاف جنيه، وذلك الارتفاع أثر في كل حياة المواطن، ولم تسلم الطماطم من تلك الزيادة، فظلت في ارتفاع مستمر حتى بلغ سعر الكيلو الخمسة والثلاثين جنيهاً، وهو رقم لم نسمع به في أسوأ حالات الزيادة في أسعار الطماطم أو اللحم الذي وصل سعر الكيلو إلى ما يقارب الخمسين ألف جنيه.. لقد تأثر الاقتصاد السوداني بسبب إغلاق “بلوفة” النفط، فشهدت مواد البناء زيادة مضطردة، وكذلك الطوب والأسمنت والسيخ وكل سلعة متعلقة بالدولار الذي ظل في حالة ارتفاع يومي حتى تجاوز الستة جنيهات، وكاد أن يصل إلى سبعة جنيهات، ولذلك يحق للشعب السوداني المغلوب على أمره أن يفرح بتوقيع تلك الاتفاقيات، ويحق له أن يخرج في مسيرات عفوية لاستقبال رئيس الجمهورية الذي استطاع أن يصل مع رئيس حكومة الجنوب إلى كل تلك الاتفاقات.. والتي كان من السهل الوصول إليها دون هذه المعاناة والرهق الذي استمر لشهور مع الوفود المفاوضة، ومن ثم دوامة اللقاءات بين الرئيسين التي استمرت جولات اللقاء لخمسة أيام نهاراً وليلاً..
لقد عانى المفاوضون وما كان لهم أن يستمروا في هذا الرهق، طالما كان بإمكانهم الوصول إلى اتفاق في القضايا كافة. لقد خسر البلدان بإغلاق آبار النفط لأكثر من عام وخسر الاقتصاد في البلدين جراء ذلك.. إذن لماذا كل تلك الاجتماعات؟! ألم يكن على المفاوضين في البلدين أن يتوصلوا لما توصلوا إليه في أيام بدلاً عن الشهور الطويلة، ألم تكن نيفاشا نفسها أن تنهي الزمن قبل دخول النائب الأول “علي عثمان محمد طه” و”جون قرنق” في مفاوضات طويلة استمرت لأكثر من مائة يوم ويوم.
إن قضيتي أبيي والحدود اللتين لم يتوصل الطرفان إلى حل فيهما كان بالإمكان حلها في جلسة واحدة طالما هذه الإرادة موجودة ولا تحتاج إلى هذا الرهق والسهر وطائرات نازلة وصاعدة.
إن الاتفاقيات التي تم التوصل إليها أسعدت الكل، فقط نريد تنزيلها على أرض الواقع بأسرع ما يمكن؛ حتى يحس المواطن بجدية الطرفين، وليس صوراً تلتقط واتفاقيات توقع.