علموهم الوطنية!!
زارنا أمس عدد من تلاميذ مدرسة الجزيرة الثانوية بنين وبنات بالثورة الحارة تسعة وخمسين، برفقة مستشار المدرسة الدكتور “محمد آدم بخيت” المتخصص في علم الاجتماع التربوي بالمانيا، الزيارة كانت بغرض إعادة كتابة وتوثيق تاريخ السودان، وذلك تحت شعار: (السودان أصل البشرية والحضارات)، عرض التلاميذ كتابات عن الحضارات السودانية القديمة والحديثة، كما ارتدى البعض منهم رداء الملكات اللائي عشنا في السودان إبان الحقب الماضية، أحسست بالفخر وأن أولئك التلاميذ الذين استشعروا المسؤولية من خلال تلك المبادرة التي يحاولون من خلالها إعادة التاريخ الذي حاولت بعض الجهات أن تطمسه، ولكن طالما في السودان أمثال أولئك التلاميذ فلن يضيع ولن يضيع تراثه وتاريخه المجيد، ظللنا نتحدث كثيراً حول إعادة كتابة تاريخ السودان، ولكن الجميع مشغول فيما لا يجدي حتى كادت أن تسرق الدول هذا التاريخ ونحن في غفلة لقد سرقت العديد من القطع الأثرية والآن موجودة بالعديد من متاحف العالم، والسرقة أحيانا تتم بواسطة أبناء السودان أنفسهم الذين يجهلون قيمة تلك الآثار ويقومون ببيعها بتراب الفلوس، بينما الآخرون يدركون قيمة تلك القطعة وربما يبيعونها إلى تلك المتاحف بعشرات الأضعاف من الثمن الذي تمت الشراء به ولذلك لا بد أن نعلم الجيل الجديد معنى الوطنية وكيف نعمل على الحفاظ على تاريخنا وأثارنا كما هؤلاء التلاميذ الذين غرست في نفوسهم بذرة الوطنية، وكما قال لي الدكتور “محمد بخيت” الذي أمضى عشر سنوات من عمره طالباً بالمانيا منذ المرحلة الجامعية وحتى الماجستير ثم الدكتوراه، قال لي لا أحد يعرف قيمة الوطن إلا إذا كان خارج الوطن واختلط بشعوب العالم، ومن هنا يعرف أن للأوطان قيمة بخلاف الشخص الموجود بالداخل فزيارة أولئك التلاميذ ومبادرتهم هذه قد تعيد للذين في غفلة من الساسة رشدهم ووعيهم ليبدأوا كتابة التاريخ من جديد قبل رحيل من تبقى من الرجال الذين يحملون الكثير من المعلومات في صدورهم فتاريخ السودان الآن مسروق رغم أننا أصل الحضارات ولكن بالصمت أضعناه كما أضعنا أرضنا وحتى آثارنا لم نلتفت إليها إلا حينما جاءت إلينا الشيخة “موزة” والدة أمير قطر، والتي عملت على ترميم الكثير منها ومن بعد ذلك بدا العالم يعرف أن للسودان آثار تفوق آثار ممن أحدثوا ضجيجاً في الساحة العربية الفترة الماضية، نحن مازلنا في حاجة إلى الترويج إلى تلك الآثار وتنظيم الرحلات السياحية للوفود الأجنبية فالمنطقة الشمالية غنية بالآثار وهي في حاجة لمن يحرك تلك البركة،
السودان في الحضارات القديمة موجود ومعروف حتى في الكتب السماوية مذكور، ولكن في حاجة إلى باحثين يعيدون لنا تلك السيرة من خلال البحوث والدراسات الجادة ولدينا الكثيرين من أبناء السودان المهتمين بالتاريخ ومحاولة إعادة كتابته وعلى الدولة أن توفر لأولئك الظروف المساعدة والمال اللازم الذي يساعدهم في عملية البحث أن كان على المستوى الداخلي أو الخارجي والعمل على إعادة ما سلب من آثار وهي الآن ترقد في المتاحف العالمية فجدية الدولة هي التي تشجع أولئك الباحثين على إعادة كتابة تاريخنا بما نراه نحن ولا أن يراه الغير ومازال هناك متسع من الوقت لإعادة كتابته فإن كان أولئك الصبية قاموا بهذه المبادرة ومن حُر مالهم فكيف إذا كان العمل مرتب من قبل الدولة.