ولنا رأي

شارع الدومة سحروك ولَّا مالك!

عد شارع الدومة بود نوباوي من أعرق الشوارع بالمدينة، والذي ربما تجاوز المائة عام، تقريباً، وشارع الدومة له تاريخ ناصع من خلال الزعماء الذين سكنوا فيه من الإمام “عبد الرحمن المهدي” والسيد “الصديق” والإمام “الهادي” والإمام “الصادق المهدي”، والشارع كان يعج بالنشاط السياسي لشباب الأنصار الذين يصطفون إبان المناسبات الوطنية والأعياد ويسيرون من أوله إلى آخره حتى في أيام الجُمَع عندما يخطب السيد “عبد الرحمن” أو أبنائه، كان شباب الأنصار يخرجون من المسجد، والذي أطلق عليه مسجد “الهجرة” أو مسجد السيد “عبد الرحمن” من خارجه وهم يردِّدون النشيد إلى الأمام إلى الأمام يا شباب الإمام، إلى أن يصلوا إلى نهاية الشارع عند منزل “أبو زيد البلك” أو الصينية، كما كان يطلق عليها آنذاك، ومن ثمَّ يتفرَّقون، فالشارع عريق، ولكن في الفترة الأخيرة اعترته بعض الإشكالات منها تسرُّب المياه التي غزت المساكن، وهدَّد سكانها بالرحيل، واستمرت المشكلة، وجاء المعتمد وشكَّل لجنة لدراسة الحالة، ولكن حتى الآن لا ندري ما فعلت اللجنة، وما موقف المياه المتسرِّبة، وكيف معالجتها؟ وها هي مشكلة جديدة تصيب السكان الذين عاشوا طفولتهم وصباهم، وربما كهولتهم، الآن في هذا الشارع، فلم يغادروا مسقط الرأس إلى المدن الجديدة، ولا حوَّلوا مساكنهم إلى العمارات الشاهقة، ولا غيَّروا حماماتهم ليتأذى منها الآخرين. اتصلت عليَّ – بالأمس – امرأة فاضلة عاشت حياتها في الشارع منذ الميلاد، عندما كانت ود نوباوي تدخل بيوتها بدون استئذان، تأكل فيها بدون استئذان وتنوم فيها ملء جفونك حتى الصباح، لا أحد يسأل ولا أسرة تتضايق، هذه المرأة الفاضلة بثت شكواها وشكوى سكان الحي العريق الذي عاش أهله متحابين ومتآلفين ومتضامنين، لا شيء يعكِّر صفواهم، فقالت إن بعض الأسر التي حباها الله بالمال، وربما الجاه، تأذَّى الناس من دلقها لمياه السايفونات في الشارع العام، دون أن تستخدم عربات الشفط، فالمواطنون أزكمت أنوفهم المياه الآسنة المتدفقة من أولئك السادة الكرام الذين لم يراعوا الجيرة ولا العلاقات القديمة لأهل هذا الحي العريق الذي يتكاتف أهله في توادد وتحابب بينهم، اشتكوا إليهم عدة مرات، ولكن لا حياة لمن تنادي، ظلوا يدلقون تلك المياه التي تسبب الأمراض لهم ولغيرهم ولم يستمعوا إلى أي شكوى من كبار القوم، وأن كان آخر الكبار قد رحل عن دنيانا قبل فترة ليست بالبعيدة، والدنا، الله يرحمه، حلَّال العُقد “الفاضل أزرق مصطفى”، الذي كان كبير القوم عند الجميع، وحتى مولانا “دفع الله الحاج يوسف” ربما تأذَّى من تلك المياه الآسنة، ولكن الأدب يمنعه ببث شكواه لأولئك الذين لا أظنهم من أوائل قاطني الحي أو المتداخلين أو من الذين لهم علاقات اجتماعية مع السكان. فودنوباوي لم تكن ودنوباوي الأمس، فالآن سكنها كل من توفر له مبلغ محترم من المال، فجاء ليحمل اسمها وتاريخها وعراقتها، وإلا لما فعل أولئك تلك الفعلة السيئة والتي تأذَّى منها الناس جميعاً، كيف تسمح لنفسك بدلق المياه الآسنة في الشارع العام لتغمره ويتضرَّر منها السكان، ومن ثم تنقل لهم الأمراض، فأهل ودنوباوي على حالهم، فإذا مرض أحدهم فلا يستطيعوا العلاج المكلِّف، ولكن يا صاحب الأموال الوفيرة، اتقى الله في أهلك الذين جئت لتجاورهم، فهذا الشارع له تاريخ ينبغي أن يحترم. السادة الكرام وطئت أقدامهم الطاهرة ثراه، فيجب ألا تلوِّثها بهذا الماء النتن الذي لا يشبهك ولا يشبه أهله الطيبين، فاقلع عن تلك الفعلة الكريهة احتراماً للتاريخ وللسكان.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية