ما بين الهلال والقادسية
{ وصلتني هذه الرسالة من الدكتور كمال محمد عثمان يعقب على عمود سابق كتبناه عن كابتن الهلال هيثم مصطفى، وهذا نص الرسالة بدون تعليق..
{ أخي الأستاذ صلاح حبيب
لا فضَّ الله فاك، فقد ألجمت أدعياء الرياضة وجهلاءها حين استنكروا عليك الحديث عنها في ما يخص قضية اللاعب هيثم مصطفى، وأشاروا عليك بأن يكون حديثك منصباً في السياسة فقط دون غيرها، وقد غاب عليهم أن عالم اليوم الذي يعيش على حافة بركان لابد أن يواجه ذلك التحدي بعلاقات إنسانية تكون الرياضة قلب تفاعلاته الحية باعتبارها عملية بناء إنساني وحضاري له القدرة على التأثير الفاعل في الوحدة والانصهار، بجانب أنها قِيم واقع وتعبير أصيل عن مكونات شعب وأخلاقيات تشكل نسيج القيم الروحية الخالدة، والحركة الرياضية السودانية كان لها دور متعاظم في صياغة التمازج العرقي والثقافي والسياسي والاجتماعي بسمط متين من المعاني الخيرة والوعي المكين، ولعلنا يجب أن نذكر أن أندية الهلال والمريخ والموردة والتحرير وغيرها من الأندية الرياضية قد ارتبطت ارتباطاً حياً بالحركة الوطنية الشعبية منذ آماد طويلة قبل استقلال بلادنا، حيث كان لها القدح المعلى في الحصول عليه بمجاهدات عظيمة ولابد من تسجيل هذا الدور والشواهد والهتاف ومعانيه ودلالته، فليست الرياضة بأي حال من الأحوال ذلك الزعيق والهتاف المتكرر (التحكيم فاشل) وبعض ما يسوقه العوام من ألفاظ نابية حينما تلحق الهزيمة بفرقهم الرياضية، وأيضاً ليست سيل المناكفات والخصومات المقيتة بما يُنشر عبر الصفحات الرياضية بدافع التعصب الأعمى والروح الجاهلية، هؤلاء وأولئك غاب عنهم المعنى الحقيقي للرياضة، الأمر الذي يستوجب وضع إستراتيجية متكاملة للحياة الرياضية في ضروبها كافة بمنهج علمي رصين.. ولقد أشرت أخي في ثنايا حديثك عن فريق القادسية الرياضي الذي كنت أنت أحد لاعبيه المهرة، ذلك الفريق الذي أنشأته الحركة الإسلامية في منتصف سبعينيات القرن الماضي وأتبعته بعدد من الفرق في أم درمان كفرق بدر واليرموك وتبوك وغيرها من الفرق التي تدافع إليها شباب خلوق ربط الرياضة بقيمها وأخلاقياتها، فكانت تلك الفرق أول من سنَّ سنة السجود بعد إحراز الهدف، وهذه الفرق بمثابة تجنيد للحركة الإسلامية، أقال الله عثرتها وصحح مسارها، وما تزال ذكريات تلك المرحلة تسكن في الحنايا والجوانح، يتقد أوارها حين يجيء ذكر الأديب الأريب الأمين حاج الطيب، والبروفيسور المهاجر محجوب الكردي، والدكتور محمد النجومي الذي يداعب الكورة كما تداعب ريشته صفحات آخر لحظة الجريدة الحائطية بجامعة الخرطوم، والأستاذ عمر عبد القادر (الحريف) وأبناء الخليفة التلب، عبد الله، وخلف الله، والباشمهندس عبد القادر الفحل، والباشمهندس يوسف عبد الماجد زيدان، ما تقدموا كانوا من الرعيل الأول، ويجيء بعدهم الجيل الثاني يتقدمه السفير العبيد محمد العبيد، الآن بالخارجية، وشقيقه الكابتن رشيد المهدية، لاعب الهلال والزمالك القاهري، والبروف إمام محمد عبد الرحيم، وأبو القاسم البشير، والدكتور المرحوم حسان قدوره، والدكتور أحمد آدم أحمد، الأمين العام لحزب السودان الجديد، ومن اهتمامه بالرياضة وضع الآن رؤية متكاملة سمَّاها الرياضة في الجمهورية (الثانية)، وأخوه سامي آدم، وأبناء لاعب المريخ الأسبق محمد عبد الحليم، جمال بالبحرية، والعميد صلاح، وكمال، مدير مكتب آخر لحظة للإعلان، وغيرهم كثير وكثير لا يسع المجال لذكرهم، ولما كانت جمعهم الأم درماني فقط دون انتماء قبلي أو جهوي تخطاهم التوزير وكانوا جميعاً أهلاً لوزارة الشباب والرياضة في عهدنا الإنقاذي، هذا لما لهم من رؤية ثاقبة وتخطيط محكم وهدف استراتيجي ماتع، بدأوا بالنشاط الرياضي ثم الصلاة جماعة بالمسجد ثم التلاوة الراتبة وصلاة الليل، وكانوا حجة فكرية باذخة وإبداعاً كروياً أخاذاً، ولولا التحصيل الأكاديمي الضاغط والعمل السياسي المكثف لتخطفتهم أندية الهلال والمريخ.
شكراً أستاذنا صلاح لاحتلالي مساحتكم هذه، في لنا رأي، وقد جعلت كثيراً من الذكريات تتداعى على الورق، وأناشد من خلالك الدكتور محمد النجومي أن يكتب عن تلك المرحلة التي عايشناها جميعاً.
دكتور كمال محمد عثمان