ومتى يكون التشخيص الطبي صحيحاً؟
كثير من الأطباء ينزعجون من الكتابات الصحفية التي يعدونها أحياناً غير صحيحة، ولكن ليس بيننا والأطباء أي مشكلة، بقدر ما نحاول أن ننبه إلى الأخطاء التي تقع من الأطباء صغارهم أو كبارهم، فكثير من حالات التشخيص المرضي تكون ما صاح، والسبب لا ندري هل قلة معرفة الطبيب أو الأجهزة الطبية وراء التشخيص الخطأ، كلها أسئلة لا نستطيع الوصول إلى حقائقها أمس الأول ذهب شاب في أولى مراحله الجامعية إلى أحدث المستشفيات الخاصة، وبعد الإجراءات الأولية من كشف للضغط والقلب، كتبت الطبيبة أن الضغط بلغ كذا.. وعنده حالة إصابة بمرض القلب، انزعجت الأسرة للتشخيص، وحينما ذهبوا إلى المستشفى الأخرى اتضح أن الضغط عادي ولا توجد حالة قلب.
حالة أخرى لمريضة تعاني من بعض الاضطرابات في المعدة فكلما ذهبوا إلى مستشفى تكتب لهم أدوية بمبالغ مالية كبيرة، وبعد أيام يذهبون إلى مستشفى أخرى يلغي كل الأدوية التي صرفت، فيبدأ العلاج من جديد وهكذا، وما زالت المريضة متنقلة من مستشفى إلى أخرى والحال نفس الحال، والمرأة تعاني ولا يوجد من يدلها على العلاج الصحيح، أتعجب كثيراً للأطباء السودانيين الذين يتم التعاقد معهم بالعشرات للمستشفيات بالدول العربية، وهنا لا يوجد طبيب يشخص حالة مريض ربما يعاني من صداع، الأطباء الذين تخرجهم الجامعات بالآلاف لا يجدون من يشرف على تدريبهم بالطريقة الخاصة، لقد ذكر لي أحد كبار الأطباء أن ابنه الذي تخرج من كليات الطب بالسودان، لم يجد فرصة للتدريب، فتولى تدريبه بنفسه، وإذا كان الأطباء الذين تخرجوا ولم يكن لهم آباء أطباء، فأين يتدرب هؤلاء؟ إن المشكلة الآن ليست في تخريج أطباء على مستوى عالٍ من الكفاءة، ولكن المشكلة في كيفية تدريب صغار الأطباء الذين مازالوا يتلمسون طريقهم في هذه المهنة، ففي الماضي كان هناك أطباء كبار يشرفون على الخريجين من كليات الطب، ولكن الآن أصبح كل طبيب له عيادته الخاصة أو مستشفاه الخاص، فما فاضي عشان يدرب الأطباء الجُدد، ولذلك تحدث الأخطاء الطبية، ونحن لا قدر الله لو مات المريض نقول يومه تمه، أو قضاء وقدر، ويغلق الملف، ولكن في الدول البترولية والتي تدفع دم قلبها للطبيب، لن تسامح أي طبيب اخطأ مهما كان، وما في حاجة اسمها قضاء وقدر، ويومه تمه، هناك حساب عسير للأطباء، وكم من طبيب سوداني تعرض إلى أخطاء ولم تشفع له فترته الطويلة أو ملفه الناصع، أخطأت تحاسب، ولذلك نجد الطبيب السوداني في ديار الغربة يعمل حسابه مليون مرة ولا يشخص حالة ما لم يكن متأكداً منها، ولا يعطي دواءً إلا بعد الكشف الدقيق، حدثني أحد الأطباء السودانيين، وهو في دولة بترولية وكان هو المشرف على التيم الطبي عندما أجريت عملية ولادة لسيدة، حدث ثقب في الرحم بعد الولادة، ورغم معالجة الخطأ، ولكن وضع الطبيب السوداني في “الطوة” وظل ينتظر نتيجة التحقيق، على الرغم أنه لم يكن هو المخطئ، ولكن لأنه المشرف على التيم حمل المسؤولية، وأخيراً صدرت نتيجة التحقيق وكان موقفه سليماً، فلاحظوا لو كان هذا الخطأ في أي من مستشفياتنا ألم يكن باستطاعة الطبيب السوداني أن يذهب إلى بيته، ولم يصب بأي حالة توتر، لأن السودانيين طيبون، وربما زملاء الطبيب يغطون له ولو كان فعلاً الخطأ خطئاً طبياً يعاقب عليه القانون، نأمل من الإخوة الأطباء أن يراعوا حالة مرضاهم، فهم الباحثون عن طوق النجاة لديهم.