ولنا رأي

قصة أبعد من الخيال!

بدأت أستمع إليه بكل أحاسيسي وجوارحي بدأت أتابع كل كلمة تخرج من فِيه ولم أصدق أن تلك الرواية تجري أحداثها في السودان، قال لي: لقد تزوجت عام 1992م، من امرأة سودانية تربطني بها علاقة دم ورحم، ومن الأسر السودانية التي تعتز بنفسها، كنا في سعادة أنا وهي؛ حتى أنجبنا الطفل الأول، كانت والدتها تأتي إلينا وتشهد ميلاد حفيدها حتى بلوغه الأربعين، ومن ثم تعود إلى زوجها وأبنائها، وقتها كانت والدتي ووالدي على قيد الحياة؛ ولذلك كانت حياتنا مستقرة، ولكن بعد وفاتهما تغيرت أحوالنا، وكانت والدة زوجتي تتدخل في حياتنا حتى أفسدتها تماماً، كانت تصر على نقل أبنائي للعيش معها، فرفضت وتدخل أخوانها وأصروا على بقاء الأبناء معهم.. لم تكن هناك أسباب مقنعة لحمل أبنائي للعيش بعيداً عني.. كانوا دائماً يصرون على أنني لم أستطع الإنفاق على بيتي، وهذا لم يكن سليماً، فأنا أعمل في مكان أتقاضى منه أجراً شهرياً، بالإضافة إلى أنني أبيع واشتري السيارات.. وضعي المالي كان محترماً ولم أمد يدي لأحد، ولكن تدخلات هذه الأسرة أفسدت عليّ حياتي، وامتنعت زوجتي عن الأكل حتى ساءت حالتها، ونقلتها لأهلها، وبدأت أزورهم للاطمئنان عليها، ولكن الأسرة طالبت بأخذ أولادي مني.. وجدت تعاطفاً من أحد أفراد أسرتها، ولكن فشلت وساطته، وأخيراً طُلب مني عدم إقحامه مرة أخرى في تلك المشكلة، إذ أن تلك الأسرة ذات صلة به ولكن آثر الابتعاد تماماً.. عاد إلى مقر عمله، ولكن لم يستطع الانتظام في عمله وأبناؤه بعيدون عنه، وزوجته طريحة الفراش، وأهلها مصرون على بقائها معهم دون الإفصاح عن الأسباب الحقيقية للمشكلة المفتعلة، وحتى الزوجة المغلوب على أمرها لم تستطع الفكاك عن أهلها، ولم تذكر أي أسباب لخلاف بينهما وبينه، غير أن تلك الأسرة متسلطة حسب قوله.
تابع الرجل قصته، وهو يرويها بكل أسى وحزن، أحياناً يتحدث وأحياناً يصمت وأحياناً يسرح بخياله، ولم يصدق أن حياته الهادئة الهانئة مع أسرته الصغيرة تتحول إلى هذا الجحيم لأسباب غير واقعية ولا منطقية، بل هي أسباب وهمية.
قال لقد اصطحبت أبنائي بعد تدخل أحد الخيرين، فأقنع تلك الأسرة بإعادة أبنائي إلي، وإلا فالقانون واضح في إعطاء الأب الأبناء في حالة تجاوزهم سن الحضانة تحت رعاية الأم.. صمت الرجل برهة، ثم أخرج من كيس كان يحمله صورة لطفل في منتهى الجمال لا يتجاوز الثالثة من عمره، قال لي: تعرف هذا الطفل؟! وقبل أن يكمل الحديث بدأت الدموع تتساقط من عينيه، ودخل في حالة من البكاء والنحيب، وقال لي: هذا أبني الأصغر، فقد توفي قبل أيام بعد أن حملته تلك الأسرة منه، ومازالت شقيقته الكبرى مع أسرة زوجته التي رفضت ذهابها معه.
حقيقة هذه مأساة تحدث في وطن اسمه السودان، ملئ بالعاطفة والحنين حتى إذا عجز الزوج على معيشة أبنائه، فأهل الزوجة يقدمون له المساعدة؛ إكراماً لأبنتهم، وحفاظاً على الرباط الشرعي بين الزوجين حتى لا تتفرق تلك الأسرة.. فالآن الزوج له أنباء في حاجة إلى الرعاية والمراقبة والزوجة بعيدة ومريضة، فنأمل أن يعود أهلها إلى الرشد ولم الشمل قبل أن تضيع هذه الأسرة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية