كنا نؤذن في مالطا!!
بعد رفع الحصار الاقتصادي طالبنا بوضع حد لتجار العملة الذين يستفزون المارة نهاراً جهاراً وهم يلوحون بـ(رُبط) من العملة المحلية في سبيل الحصول على الدولار وكأن الأمر لا يعنيهم ولا يعني الدولة ولا الأمن الاقتصادي بعد أن انخفض سعر الدولار والعملات الأجنبية بعد رفع الحصار، والكل كان يمني النفس أن يستمر الانخفاض لكن مافيا الدولار رفضت إلا أن يعود الدولار كما هو أو أزيد، فبعد يوم أو يومين من الانخفاض ووصوله إلى (16) جنيهاً مقابل أكثر من عشرين قبل رفع الحصار، ها هم تجار العملة يصرون عليه في عملية التصاعد، لكن يبدو أن الدولة استيقظت من نومها فشنت شرطة ولاية الخرطوم حملات طالت تجار العملة بالسوق العربي، لكن هل ستبحث هذه الحملات عن الأوكار التي يتعامل فيها أولئك التجار كما ذكر في تقارير صحفية بالأيام الماضية أن تجارة العملة لم تكن قاصرة على البائعين في الطرقات لكن هناك أماكن أخرى تتم فيها ممارسة البيع والشراء؟!
الأجهزة الأمنية والشرطية تعلم تماماً أماكن أولئك الباعة الذين درجوا على خراب الاقتصاد السوداني، وكنت أتعجب كيف تسمح السلطات الأمنية لأولئك الباعة وهم في أمن تام يبيعون المارة العملات الأجنبية كيف لدولة تسمح لأولئك الطفيليين أن يخربوا الاقتصاد وهي تنظر لهم؟ هذا لا يحدث في دولة من الدول حتى مصر التي أصبحت عملتها شبيهة بعملتنا من حيث التدهور لم تسمح لتجار السوق الأسود أن يبيعوا نهاراً جهاراً ومن قبض عليه متلبساً (ما في حاجة اسمها يمة ارحميني) يدخل السجن مثله مثل أي مجرم.
خراب الاقتصاد يبدأ من السوق الأسود وسبق للإنقاذ حينما جاءت أن اتخذت قرارات صارمة تجاه تجار العملة مما أخاف الكثيرين خاصة حينما أُعدم “مجدي” وأفلت الكثيرون من إلقاء القبض عليهم، ووقتها لم نقل إن الاقتصاد تحسن بسبب وضع الضوابط المشددة على تجار العملة لكن على الأقل تم الحد من ارتفاع قيمة الدولار، ومن أراد إلا عبر وسطاء أو من جهات خارج البلاد.. أما الفترة السابقة فقد ارتفع الدولار بعد انفصال الجنوب وظل في حالة تصاعد من أربعة إلى ستة إلى تسعة إلى أن وصل العشرينات، وربما يظل في هذا التصاعد ما لم تضع الدولة حداً لأولئك المضاربين فيه، خاصة وأن تجارة الدولار والثراء السريع أغرى العديد من الفاقد التربوي والطفيليين لدخول عالمه طالما الدولة لا تحاسب ولا تعاقب أولئك الدخلاء أو المخربين.
الخطوة التي اتخذتها شرطة ولاية الخرطوم هي مسكن فقط ولا نقول إنها الحل لتصاعد الدولار، لكن على الأقل تقلل من تصاعده لأن التجار هم السبب الأساسي في تلك الزيادات، والملاحقة ليست أيضاً هي الحل.. الحل محاكمة أفراد منهم فإذا تمت محاكمة واحد بعقوبة رادعة على الأقل سنضمن استقرار الدولار لأن الطفيليين سيختفون من الساحة، وحلاوة الربح السريع ستنقلب إلى مرارة ولا أحد يريد تلك المرارة.
إن ثبات العملة لن يتم بين يوم وليلة، لكن لا بد أن ترتب الدولة وضعها قبل تدفق العملات من الخارج لأن عقوبة عشرين عاماً وتخوف البنوك الأجنبية طوال تلك الفترة لن يجعل الأموال تنساب بين يوم وليلة، لذلك لا بد أن ننتظر على الأقل ستة أشهر حتى تستقر العملة.. وحتى نتجاوز تلك الفترة لا بد من قرارات حاسمة في مواجهة تجار العملة، فعلى الأقل يظل السعر في محله إلى أن تدخل العملات البنوك السودانية.