قراءة لما بعد رفع العقوبات!!
اثنان من الإعلاميين بالتلفزيون القومي محرر ومصوِّر جاءا إلى (المجهر) صباح أمس، طلبا مني تقديم إفادة عن التوقعات برفع الحصار الاقتصادي المفروض على السودان من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، قدَّمت ما طلبا، فالآن سقف التوقعات برفع العقوبات عن السودان في أعلى قمة، والكل يترقَّب الثاني عشر من أكتوبر الجاري، بفارق الصبر وهو الموعد الذي قطعته الإدارة الأمريكية بقرار الرفع. فالسودان ظلم من جانب الولايات المتحدة الأمريكية بإقحامه في هذا الصراع السياسي الذي لا يد له فيه، فأمريكا تكيل العداء إلى السودان منذ وقت مبكِّر وساعد في ذلك أبناء السودان أنفسهم الذين ظنوا أن الحكومة قد ظلمتهم، إما بفصلهم عن الخدمة أو إدخالهم السجون، وعندما وجدوا فرصة إيصال صوتهم إلى الغرب وأمريكا أوصلوا صوتهم على حساب الوطن وليس النظام، ومن هنا بدأ التعاطف من جانب أمريكا على أولئك المظلومين، ولكن لم يعرف هؤلاء أنهم ظلموا معظم الشعب السوداني بتلك العقوبات التي أضرت بالشعب السوداني كله وليس بضع أشخاص اعتقدوا أنهم تعرَّضوا للظلم من قبل الحكومة، والآن يدفع كل الشعب السوداني تلك الفاتورة الباهظة الثمن التي تقدَّم بها نفر من أبناء هذا الشعب. إن رفع العقوبات بات قاب قوسين أو أدني ولم يكن هنالك أدنى شك من الرفع، لأن الحكومة قد أوفت بكل المطلوبات التي حدَّدتها أمريكا أن كانت عملية الإرهاب. والسودان عرف بعدم دعمه لأي نوع من الإرهاب لا داخلياً ولا خارجياً، أما توصيل الإغاثة للمتضررين فقد أوفى بها والجارة الصديقة دولة الجنوب التي اتخذت قرارها بالانفصال ها هو مواطنها يهرب من ويلات الحرب والتصفية العرقية إلى الشمال الذي قال في وقت مضى أنه يعيش فيه مواطن من الدرجة الثانية، فهم يعودون إلى الشمال طالبين الأمن والأمان فيه، بعد أن أجبرتهم حرب بني جلدتهم إلى اللجوء إليه، فالسودان الآن يعيش حالة من الاستقرار ولو لا هذا الاستقرار السياسي والأمني لما سعت أمريكا باتخاذ قرار رفع العقوبات المنتظر، فأمريكا تنظر إلى مصالحها والآن مصلحتها في السودان بعد أن تأكد لها تماماً أن السودان من بين كل دول المنطقة أكثر أمناً وأمريكا لها أهداف ولن تستطيع تحقيق تلك الأهداف إلا في دولة مستقرة، فاليمن مضطربة والقتال ما زال يدور فيها، وكذا الحال في ليبيا وسوريا، والعراق لم تغض على داعش نهائياً، ولذلك السودان أحد الدول المستقرة الآن لتنفيذ مراميها وأهدافها، ففيه كل المقومات الزراعية والصناعية، ولذلك من مصلحة أمريكا أن تعمل على رفع الحصار لتحقيق تلك الأهداف، ولكن هل رفع الحظر سيجعلنا نعيش حياة زاهية وهل سننعم بالخيرات التي كانت متوفرة من قبل، بالتأكيد ليس مابين يوم وليلة تعود الحياة إلى طبيعتها لما قبل الحصار وهذا يتطلب من الحكومة أولاً أن تزيل الغبن الذي سيطر على الجميع وأن تعيد الثقة إلى المعارضة لبناء الوطن وأن تبعد كل من يعكِّر صفو العلاقات بين أبناء الشعب الواحد وأن تنفِّذ مخرجات الحوار الوطني بصدق مع إيجاد فرص عمل لكل الخريجين وأن تبعد النظرة القديمة ديل ناس الحكومة وديل ناس المعارضة، الوطن والحكم للجميع، ويجب أن تعمل من هذا المنطلق حتى ينعم الجميع بالأمن والاستقرار، وأن تعيد صياغة السوق من جديد مع تفعيل القوانين التي تساعد في الاستقرار الاقتصادي بدلاً من الانفلات السائد الآن. إن رفع الحصار مطلوب ولكن لا بد أن يقابله عمل آخر من كل الأطراف، وإلا لن نستفيد من الرفع أي شيء، بل سوف تزداد معاناة الشعب أكثر ويكون الأمل الذي انتظرناه قد تبدَّد.