السودان بلد العجائب!!
بينما كثير من المواطنين يعانون من شظف العيش تجد هناك أناس يعيشون حياة الدعة والراحة والحياة الرغدة، فالسودان الذي يعاني المواطن فيه من الحصول على كباية شاي من الصباح أو الحصول على وجبة غذاء تجد هناك أطنان من الطعام ملقاة في أكياس القمامة، لا نرى من أين أتى هؤلاء بكل هذا المال؟ رغم أن التصنيف أن السودان من الدول الفقيرة، ولكن لو نظرنا إلى الحال نجده مختلف تماماً في وقت مضى لم نشاهد إلا قلة من العمارات ذات الطابق أو الطابقين، ولكن الآن وعلى مد البصر نشاهد كميات من العمارات الشاهقة والسيارات المليارية من أين جاء أولئك بكل هذا المال والدولة تشتكى من ارتفاع أسعار الدواء؟ بل المواطن نفسه لا يستطيع أن يدفع قيمة تذكرة لطبيب، لقد تحوَّل السودان إلى إمبراطوريات، كيف الله أعلم، في نهاية السبعينات كان الإخوة المصريين (يتريقوا) علينا حينما يريدون استفزازنا (عندكو) عمارات وهذا السؤال بالنسبة لنا كان مستفزاً، لأن الإخوة المصريين كانوا منغلقين على أنفسهم لم يخرجوا من بلادهم ليروا العالم، فالآن لو عادت عجلة الحياة إلى الوراء وسُئلنا هذا السؤال ربما شارع الوادي فقط يخرس ألسنتهم، وحقيقة فإن الشارع الرئيس بالثورة الوادي تتعجب من شكل العمارات الموجودة به ناهيك عن العمارات بالأحياء الداخلية ذات الثلاثة وأربعة طوابق، وهذا في واحد من الأحياء الشعبية، فما بالك بالمنشية والطائف وطلع جديد كافوري التي أصبحت سكن الميسورين خالص رغم أنها من الأحياء الجديدة ولم نسمع بأهلها ممن ورثوا عن آبائهم أو أجدادهم الأموال الطائلة ليسكنوا تلك المنطقة الفاخرة، بل حاول البعض أن يجعل نفسه من أولاد الذوات فأولاد الذوات كانوا ناس “البرير” و”النفيدي” و”إبراهيم مالك” و”عثمان صالح” كانوا قلة في المجتمع ولكن بنوا أنفسهم بالعرق والجهد حتى أصبحوا من أولاد الذوات، لكن اليوم هناك آلاف من أولاد الذوات لا نرى من أين أتوا بهذا المال خلال فترة وجيزة، ما هي الأعمال التي يقومون بها حتى تدر عليهم هذا المال الكثيف؟ فلا هم من الأطباء المشهورين ولا من المهندسين ولا الفرقاء في الجيش، ولكن معظمهم من أصحاب المهن الهامشية، ولكن هل المهن الهامشية تجعل الإنسان ثرياً بين يوم وليلة؟ لم تكسب المهن الهامشية حتى تجعل هذا الشخص يمتلك المليارات، فالفساد استشرى ولا أحد يسأل من أين أتى هؤلاء بالمال، المهم يدفع للدولة ضرائبها ولا يسأل من ذلك، فأولادهم في المدارس غالية الثمن داخلياً أو خارجياً يركبون أفخم السيارات ويأكلون أفضل أنواع الطعام، بينما هناك من أفنى زهرة شبابه في خدمة الوطن ولا يملك قوت يومه..وإذا مرض عليه أن ينتظر أجله، فالسودان أصبح بلد المفارقات العجيبة وضعفاء القوم هم الآن أصبحوا الأسياد وأسياد القوم أصبحوا اليوم من الوضعاء. يقال إن هناك ثلاثة طبقات كانت في السودان فأصبحت طبقتان فاختفت الطبقة الثالثة، علماً أن أهل الطبقة الثالثة اليوم هم أصحاب الطبقة الأولى حازوا على كل شيء فلا يهمهم الحديث عن كيفية الثراء أو من أين أتوا بالمال؟ المهم أن يستمتعوا بالحياة التي انتقلوا إليها من حالة الفقر إلى حالة الغنى الفاحش، فالزراعة التي كانت عمل معظم أهل السودان الآن الزراعة ما عادت مرغوبة طالما هنالك مال يأتي بصورة أسهل من الانتظار في الحواشة أو انتظار جني القطن أو العيش أو البصل، الآن المال يتدفق كما الماء ولا حد يسأل حد، ومن أفسد لا يُسأل عن فساده، ومن سرق لا يقدَّم إلى المحاكم، ومن ظهرت عليه علامات النعمة لا يُسأل من أين أتى بكل هذا. ولذلك الكل بدأ يسرق طالما لا توجد محاسبة أو سؤال وحقيقة السودان بلد العجائب.