الضحية وسكان الولايات!!
أتعجَّب جداً لأهل ولايات السودان المختلفة الذين يعيشون في أراضي حدادي مدادي لا يستغلون واحد في المية منها لمعيشتهم، ولا أجد فرقاً بينهم وبين أهل المدن في شراء احتياجاتهم من الأسواق يومياً، فأهل الجزيرة وغيرها من الولايات يذهبون إلى الأسواق، أن كان يومياً أو في يوم السوق المحدَّد لشراء الطماطم والخضروات وغيرها من المحاصيل الزراعية التي يمكن لأي إنسان أن يقتطع جزءاً من داره لزراعتها، وكذا الحال في مواسم الأضحية التي نعيشها الآن، نجد لا فرق بين مواطن الولايات ومواطن المدن الكبيرة أو الصغيرة، فأتعجَّب كيف يشتري مواطن تلك الولايات خروف الأضحية بهذا المبلغ الخرافي، وكان بإمكانه أن يربي أكثر من خروف في العام، ولكن يبدو أن إنسان الولايات أصيب بالخمول والكسل مثله ومثل إنسان المدينة الذي عايش العصر وأصبح يأخذ الجاهز. ففي وقت مضى حتى إنسان المدينة كان يزرع في داره احتياجاته من الخضار ويعمل على تربية الدواجن والحمام، وحتى الأغنام تجد الكثيرين يعيشون عليها في حياتهم اليومية، ولكن المدنية جعلتهم يتخلون عن كل شيء ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بهذه الصورة الجنونية، فلو عاد الناس إلى حياتهم الطبيعية السابقة ربما لم نر الهلع الموجود الآن، فدولة بها أرض خصبة وماء متدفق هل يجوع إنسانها، أو لا يجد قوت يومه؟، ففي الماضي لا أحد يجلس بلا عمل، فالمرأة تنسج وتغزل وتخيِّط الطواقي والأطفال الصغار يعملون في الإجازات وحتى في مواسم الأعياد تجد عدد منهم ذهب إلى السوق لشراء الألعاب لبيعها إلى أقرانه لتوفير احتياجاته الضرورية. نحن أمة تراجعت إلى الوراء كثيراً فليس من العقل أو المنطلق أن يكون حال أهل الولايات مثل حال أهل المدن الكبيرة، فها نحن على أعتاب عيد الأضحى المبارك، فهل يعقل أن يشتري المواطن بولاية الجزيرة أو النيل الأبيض أو سنار أو حتى مناطق كردفان ودارفور خراف الأضحية مثلهم ومثل مواطن ولاية الخرطوم بمبلغ اثنين أو ثلاثة آلاف جنيه. إن إنسان تلك الولايات لو عمل على تربية اثنين أو واحد من الخراف لكفى نفسه وغيره..ففي تلك المناطق الحيوان لا يحتاج إلى (قومة) نفس، فالعشب متوفر والماء متوفر كذلك، والتربية سهلة جداً، أن كانت في الخلاء أو داخل المنازل، داخل الزريبة أو في منطقة من البيت، أي منطقة يمكن لأي شخص أن يربي فيها ليكفي نفسه تلك المبالغ الباهظة الثمن..الآن مناطق كثيرة تم التصديق بها كمزارع للمواطنين، ولكن تلك المزارع بدلاً من تعميرها وزراعتها أصبح كل شخص منح الأرض، إما أن يكون قد وضع عليها سياجاً لا أكثر أو أقل وتركها بغرض المضاربة فيها بالبيع للآخرين فلا هو استفاد منها ولا الدولة استفادت ولا المواطن الذي بإمكانه أن يحصل على المحصولات الزراعية بتكلفة أقل. فالمزارع أصبحت للوجاهات وليس من أجل التعمير وتوفير القوت للآخرين، فنسمع أن فلاناً له مزرعة فخمة مخصصة فقط للرحلات وجلسات الأنس.. ولكن أن توفِّر كميات من الخضار والبيض والدواجن فهذا غير موجود ..فجاء المستثمر الأجنبي الذي يعرف قيمة الأرض وما توفِّره من إنتاج فاستطاع خلال فترة وجيزة أن يزرع القمح والأعلاف والبطاطس وغيرها حتى تربية الحيوان دخل فيها. ففي بداية الإنقاذ كان شعارها (نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع)، فلا أكلنا ولا صنعنا، والخروف وصل الثلاثة آلاف جنيه، والخضار حدِّث بلا حرج.