نساء في المقابر !!
شارك في تشييع جثمان الراحلة “فاطمة أحمد إبراهيم” عدد كبير من النساء من الأحزاب السياسية المختلفة من بينهم الدكتورة “مريم الصادق المهدي”، “أشواق أبو طويلة” من حزب الأمة، و”نعمات مالك” أرملة “عبد الخالق محجوب” وبعض من منسوبي الحزب الجمهوري والحزب الاتحادي، إضافة إلى بعض الناشطات والناشطين.
لقد أجمع أهل السودان في مثل هذه المواقف خاصة الموت على سودانيتهم بغض النظر عن الاختلاف السياسي، فكان الجميع حضوراً في مقابر “البكري” من الصباح الباكر، لم ألحظ الانتماء السياسي، بل كان الجميع جاء لتشييع واحدة من رائدات العمل النسوي بالبلاد وواحدة من المناضلات من أجل حقوق المرأة ومن أجل الوطن.
المشهد كان عظيماً والموت سبيل الأولين والآخرين، فالخلافات السياسية والغبن السياسي، أحياناً، يدفعان الإنسان أن يكون حاداً في بعض المواقف، ولكن حال أهل السودان دائماً ينسون خلافاتهم في لحظات ويعودون كأن شيئاً لم يحدث. تقاطرت جموع المواطنين إلى مقابر “البكري” منذ العاشرة صباحاً، لتشيع جثمان السيدة “فاطمة”، ولكن يبدو انعدام التنسيق بين اللجان المكوِّنة وعدم الاتصال ببعضها البعض، أُخر التشييع إلى الثالثة والنصف وعندما أعلن عن وصول الجثمان إلى المقابر تشتت الناس في أجزاء متفرِّقة من المقابر، جزء على الطرف الغربي والآخر على الشمالي والبعض وقف حائراً بين هؤلاء وهؤلاء، إلى أن جاء الجثمان شاقاً الطريق من الجهة الشرقية.
من الشخصيات التي شاهدتها داخل المقابر قبل وصول الجثمان كان المشير “عبد الرحمن سوار الذهب” رئيس البلاد بعد انتفاضة رجب أبريل، الدكتور “التيجانى السيسي”، الدكتورة “مريم الصادق المهدي”، السفير “نجيب الخير عبد الوهاب” وزير الدولة بالخارجية الأسبق، السيد “صديق يوسف” القيادي بالحزب الشيوعي، الأستاذ كمال الجزولي، الأستاذ فيصل محمد صالح، وعدد كبير من المحامين، ولم يغب عن تشييع الجثمان حتى طلبة مدارس المرحلة الثانوية بنين وبنات، وكانت الفضائيات (الشروق والتلفزيون القومي والنيل الأزرق والجزيرة والخرطوم) وبعض الإذاعات كانوا حاضرين يستطلعون الناس عن مآثر الفقيدة ودورها الريادي والقيادي في تاريخ السودان.
لقد انطوت صفحة ناصعة عن الراحلة “فاطمة أحمد إبراهيم” شقيقة الراحل “صلاح” الذي كتب أعذب الشعر وأجوده، وأرملة “الشفيع أحمد الشيخ” الذي قتله النظام المايوي غيلة وخِسة، فصبرت الراحلة وضغطت على جرحها طوال تلك الفترة، لم تنكسر ولم تتراجع عن مواقفها الوطنية الثابتة، ظلت تدافع عن حقوق المرأة إلى أن حققت لها مكاسبها بالاعتلاء على المناصب المختلفة، فـ”فاطمة” امرأة سودانية اختلف الساسة عنها أو اتفقوا، فهي رمز للمرأة السودانية المشبَّعة بالقيم والخلاق والنبل والطهر، وكانت مثالاً حتى لأهل السياسة الذين نادوا بالشعارات الزائفة. إن الجمع الكبير الذي جاء لوداعها إلى مثواها الأخير كانوا قمة في الانضباط داخل المقابر، لم ألحظ إنزال الجثمان إلى داخل القبر، الاختلافات التي تحدث في تلك اللحظات وما أكثرها، وكلنا شهدنا عند قبر الميِّت هناك ممن يحبون الاختلاف مما يطيل في عملية الدفن، ولكن من نِعَم المولى على الراحلة “فاطمة” عدم الاختلاف ما ساعد في إنهاء عملية الدفن بسرعة. ألا رحمة الله عليها، ونسأل الله أن يسكنها فسيح جناته مع الشهداء والصديقين.