ورحل "ود المكي"!
رحل المهندس “محمد المكي إبراهيم” عن هذه الدنيا بعد معاناة طويلة مع المرض.. رحل “محمد المكي” صاحب الابتسامة التي لم تفارق شفاهة.. رحل “محمد المكي” صديق الكل، لم يفرّق بين الصغير والكبير.. كان حميماً في لقائه مع الجميع، رجلاً أو امرأة، كان مع الكل.. مع الكبير كبير، ومع الصغير صغير، وإذا وجدته يلاطف الصغار تحسده على ذلك.
المهندس “محمد المكي إبراهيم” كان كالنسمة، تفوح منه روائح وعطر المحبة والشوق والحنين.. كان هميماً يتقدم الناس في عمل الخير.
لقد كان المهندس “محمد المكي” من أبكار المهندسين في الهيئة القومية للكهرباء، طاف معظم البلاد داخلياً من أجل إصلاح عطب أصاب توربينات الكهرباء بالدمازين أو إحدى محطات الكهرباء بالمواقع المختلفة.. كان لا يفرّق بين الليل والنهار في عمله، فإذا عاد إلى أبنائه بالنهار وحدث عطب استوجب سفره مرة أخرى عاد طائعاً لأوامر قيادته بالهيئة القومية للكهرباء، لا يتضجر أو يحتج على ذلك، كما نشاهد كثيراً من الذين يتضجرون في مثل هذه المواقف، ولم نسمع عنه يوماً أنه احتجّ على أمر استوجب منه أداء واجبه داخل ولاية الخرطوم أو إحدى ولايات السودان التي يتطلب عمله السفر إليها.
لقد عرفت الهيئة القومية للكهرباء وكل المهندسين والعاملين صغاراً وكباراً كيف كان تعامله معهم، ولا أظن أن أحداً من العاملين قد تضرر منه أو شكا من قسوة في التعامل معه.
لقد عرفت المهندس “محمد المكي إبراهيم” منذ العام 1984م، ومنذ أن التقيته أول مرة كأنني أعرفه منذ عشرات السنين، وظلت العلاقة بيننا متينة وقوية.. ولكنني كنت أخشى أن التقيه وهو في مرضه الذي عرفته، كنت أخشى أن أضعف أمامه وأمام أولاده نظراً لتلك العلاقة الحميمة بيني وبينه وبين كل الأسرة التي أحبّته حباً لم تمنحه لأي شخص صاهر أو ناسب تلك الأسرة.. لقد كان الجميع يعزّه ويقدرّه، وكأنه ابن من أبنائها وهو كذلك.. كان يحس بأنه فرد منها يتعامل تعامل الأخوة وليس معاملة الأصهار الذين يأتون في المناسبات ضيوفاً.
لقد احتلّ المهندس “محمد المكي” مساحة كبيرة في القلوب، لذلك بكته الأخت والأخ والصديق والجيران والأحباب والأصدقاء.. بكوه بدمع ثخين وقلوب منفطرة، وبكاه الآخرون في صمت كما قال الرسول “صلى الله عليه وسلم” عندما مات ابنه.. إن العين لتدمع والقلب ليحزن وإنا لفراقك لمحزونون.. فها نحن نبكيك يا “ود المكي” كما قال رسولنا الكريم.. إن العين لتدمع والقلب ليحزن وإنا لفراقك يا “ود المكي” لمحزونون.. نسأل المولى عزّ وجل أن يتغمدك برحمته الواسعة وأن ينزل على قبرك شآبيب الرحمة، وأن يجعلك من الشهداء والصديقين، وأن يغفر ذنبك ويبدلك داراً خيراً من دارك، وأهلاً خيراً من أهلك، وأن يجعل البركة في الأبناء الذين نأمل أن يسيروا في نفس الخط الذي وضعته ليكونوا نبراساً يضيء الطريق.. ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ).