ولنا رأي

هل فشلت صحافة الحكومة؟!

يجري في صمت تصفية صحيفة (الرائد) التابعة لحزب المؤتمر الوطني التي جرى تأسيسها في أغسطس من 2008م، كانت الرائد مؤسسة صحفية مكتملة من حيث البيئة الصحفية الجيدة، إذ أن المؤسسة كانت تقطن في عمارة من ثلاثة طوابق تقريباً خصص لكل قسم شقة كاملة، وقاعة لاجتماعات التحرير، ومكاتب من طراز فريد لرئيس التحرير والمدير العام ولرئيس مجلس الإدارة، وحددت رواتب للصحفيين حسب الخبرة وبدلات للإجازة والعلاج واللبس؛ وفقاً للعقودات التي وقعت مع العاملين، بالإضافة للأجر الإضافي عن ساعات العمل اليومية وأيام العطلات الإجازات.
انطلقت الرائدة بقوة وكانت تصدر في أربع وعشرين صفحة كأول صحيفة سودانية تصدر بذلك الحجم ست عشرة صفحة (الصحيفة الرئيسة) وثماني صفحات ملحق يومي مخصص على مدار الأسبوع، كل ملحق يمكن أن يصبح صحيفة بمفرده مثل (بيتنا نور) وهذا ملحق اجتماعي، والملف الديني، والرياضي، والسياسي، والفني، (تعرشية). خطفت الصحيفة الأضواء، ووجدت إقبالاً كبيراً من قبل القراء، وتجاوزت طباعتها الستين ألف نسخة يومياً تقريباً.. كانت هناك همة ونشاط من قبل المحررين، وتفانٍ في العمل وتجويد في الأداء، خاصة الملاحق، وأيهما أكثر توزيعاً الصحافة الحزبية أم الصحافة الحكومية، دائماً الفتها في الذين يكونون قريباً من الحزب أو الدولة، ويظنون أن الصحيفة ملك خاص يمكن أن يعملوا فيها ما يريدون يعينون من يريدون ويفصلون من يريدون دون أخذ للمعايير المهنية، وهذا الداء أصاب صحيفة الرائد، وهي في بداياتها، فبدأ الصراع الداخلي كالسرطان الذي ينهش في جسم الإنسان، وهو لا يدري، حتى إذا ما تمكن يخر الإنسان ويفقد كل مقومات الحياة، ومهما أعطي من كيماويات، فلن تكتب له النجاة، وهذا الذي حدث لصحيفة (الرائد).. بدأ الصراع ونحن المؤسسون لا ندري، نقوم بالأداء اليومي المهني على أكمل وجه، ولا ندري ما الذي تخبئه لنا الإدارة، وفجأة وبدون مقدمات وأثناء عملي جاءني خطاب من الإدارة يشير إلى إنها ليست راغبة في تجديد عقدها معي، ووقتها تبقى لي من إكمال العام معها شهران.. وكنت في قمة عطائي الصحفي المهني، كنت أجري حواراً يومياً بعنوان (نجوم قريبة) مع نجوم المجتمع، سياسيين ورياضيين وفنيين، بالإضافة إلى ثلاثة حوارات سياسية أسبوعياً، هل هناك صحفي يستطيع بمفرده أن يقوم بذلك؟!.. حملت الخطاب ودخلت على رئيس التحرير، وقلت له: والله لو تعطوني ثلاثة أضعاف ما تعطوني له من راتب لن أعمل معكم؛ لأن الذي حدث مجرد من الأخلاق والمثل، كيف يُنهى عقد أكثر عطاء وليس مصنفاً سياسياً أو له عداوة مع الدولة غير الحقد والصراع الخفي الذاتي الذي لم أحس أو أشعر به، طلب مني رئيس التحرير الهدوء، وستتم معالجة الأمر، وبعدما ذكر لي أن الظروف المالية اقتضت ذلك، قلت له الظروف المالية اقتضت وحدها على راتبي أنا، هناك من لا يعملون نصف الذي أقدمه، ويتقاضون أكثر؛ مما أتقاضاه، فلماذا أنا دونهم. طلبت من مسؤول الشؤون المالية والإدارية فتوى أن تركت العمل فوراً، قال لي سوف تطالب بدفع مرتب الشهرين للصحيفة؛ لأنك أخليت بالعقد.. واصلت العمل إلى أن انتهت الفترة، ولم أكن وحدي، فكان معي الأخ الصديق رسام الكاريكاتير البارع الكاروري، ولا أرى ما الذي ربط بيني وكاروري، فذهبنا سوياً، فعمل كاروري في اليوم التالي بصحيفة (أخبار اليوم)، فيما عملت أنا بالمفوضية القومية للانتخابات بوضع أفضل مما كنت عليه بصحيفة (الرائد)، وتواصل الصراع الخفي بالرائد بين الكبار، وراح ضحيته الصغار، وجرت التصفية يوماً بعد يوم؛ إلى أن وصلت الاستيكة إلى نهايتها ولم تنفع الجراحات والمعالجات لإنقاذ الصحيفة من الانهيار، فلا ندري هل فشلت صحافة الحكومة أو صحيفتها..
نواصل

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية