الحكومة الجديدة
أيام معدودة وتعلن الحكومة الجديدة التي تتشكل من أحزاب عديدة قد يفوق عددها الـ(50) حزباً سياسياً وحركة كانت تحمل السلاح، وربما شخصيات مستقلة تمثل المجتمع العريض باعتبار أن الحوار الذي تمخضت عنه الحكومة القادمة كان حواراً يحلق بجناحين سياسي ومجتمعي، وبالتالي إشراك الجناح المجتمعي ضرورة في الوقت الراهن. لكن السودانيين كالعهد بهم انصرفوا عن الأصول إلى الفروع، وتركوا الجوهر واهتموا بالقشور، ولم يتحدث أحد عن برنامج الحكومة السياسي ولا المنتظر منها تنفيذياً لإصلاح الواقع الراهن، بقدر اهتمام الرأي العام بأسماء القادمين من الوزراء والمغادرين من المجموعة الحاكمة حالياً، ولماذا يذهب “فلان” ويبقى “علان”.
منذ اختيار الفريق أول ركن “بكري حسن صالح” النائب الأول للرئيس رئيساً للوزراء انهالت عليه التهاني من المجموعات والأفراد والشركات التجارية التي تبتغي مصلحة عنده، أو تعتقد أن في تلك الإعلانات فوائد مؤجلة، لكن الجميع سكت عن برنامج وأولويات الحكومة الجديدة.. فماذا ينتظر الشعب من الحكومة ذات القاعدة العريضة؟!
أولى مهام الحكومة أن تضع لنفسها منهجاً جديداً ينتقل فيه القرار التنفيذي إلى مجلس الوزراء، وكذلك القرار السياسي ويصبح هذا المجلس هو السلطة العليا في الدولة، مع احتفاظ رئيس الجمهورية بكل السلطة السيادية العليا من الشأن الأمني والخارجي، وبذلك يصبح هناك تناغم وانسجام وتحديد دقيق جداً للسلطات، وتنتهي بذلك مراكز القوة التي كانت تطل من وقت لآخر في التجربة الماضية، ويصبح الوزير محاسباً أمام مجلس الوزراء وأمام رئيس الوزراء فقط ولا علاقة مباشرة تجمعه بالرئيس، ولا مجال لالتفاف أحدهم على القرار التنفيذي.. ذلك ما يتصل بالجانب التنظيمي.
من جهة الأولويات التي ينتظرها الناس من الحكومة، فإن قضية وقف الحرب تمثل أولى القضايا التي ينتظر حدوث اختراق كبير بشأنها بقيادة رئيس الوزراء لملف التفاوض بإشراف مباشر، ويصبح مجلس الوزراء هو السلطة التي تمنح التفويض لمن يفاوض عن الحكومة، ويعبر وفد التفاوض عن حكومة الوفاق الوطني شكلاً ومضموناً، وإشراك الأحزاب في عملية السلام باعتبارها شأناً قومياً.. وليت الحكومة استفادت من تجربة (نيفاشا) السابقة حينما كان يشرف على عملية التفاوض جسم تنفيذي، هو اللجنة العليا للسلام.. وقد يقول البعض إن الحرب انتهت وذلك قول يجافي حقائق الواقع على الأرض، فالحرب في المنطقتين لا تزال يشتعل أوارها ويتصاعد دخانها، وفي دارفور انتهت المواجهة المباشرة بين الفصائل المسلحة والحكومة، لكن بقي ما هو أخطر من ذلك، الصراع القبلي وانتشار العنف والسرقات والخطف، لذلك عملية السلام ضرورية لارتباطها أيضاً بتحسن العلاقات الخارجية باعتبارها المفتاح الذي يستخدم لأبواب علاقات معافاة مع الغرب، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية.. ومن القضايا المهمة كذلك، إصلاح أجهزة الدولة التي أصبحت اليوم دولة وظيفية كل همّ العاملين فيها الحصول على الحوافز والمكافآت التي يحصلون عليها، وجهاز الخدمة المدنية مترهل وفاسد، لذلك إصلاحه من الأولويات التي يجب على الحكومة الجديدة العمل بكد وجهد نحوها.
وأخيراً.. تبقى احتياجات الناس الضرورية من أكل وشرب وصحة وتعليم وأمن من خوف، من القضايا التي ينبغي أن تجعلها الدولة في مقدمة أولوياتها، لأن الغلاء الفاحش الآن رغم توفر السلع قد أوهن عظم الشعب وجعله يلهث وراء الخبز و”أم رقيقة” ليل نهار.. لكن هل أولويات المواطنين العاديين هي أولويات الحكام أيضاً؟!