الغاز أصبح (زي الدولار)!!
لقد أصبحت سلعة الغاز أشبه بالدولار المتصاعد كل مرة، فالغاز الذي استقر لفترة طويلة من الزمن على سعر يقارب العشرين جنيهاً، فجأة تصاعد الرقم ليصل اليوم إلى مائة وخمسين جنيهاً، في فترة زمنية وجيزة لا تتعدى بضع أشهر، بعد أن أعلن السيد “أبرسي” أن أسطوانة الغاز تكلف الخمسة أو الستة دولارات، قبل أن يرتفع ثم ينخفض إلى ستة عشر جنيهاً.
إن سلعة الغاز بعد العام 1999م، كانت من أرخص الأسعار، وشجعت الدولة المواطنين على استخدامه بدلاً عن الفحم لوقف عمليات القطع الجائر للأشجار، وأصبح الغاز بديلاً للفحم، واغتنت كل أسرة أسطوانة، واثنين، وتمدد استخدامه في ولايات السودان المختلفة باعتباره أرخص من الفحم والحطب، ولكن يبدو أن تلك الأسعار الزهيدة شجعت سماسرة التهريب إلى الدول المجاورة لرفع الأسعار، فتضاعف السعر عشرات المرات، وأحياناً اختفى تماماً من الأسواق وتدخَّلت الدولة، ولكن دون فائدة، فالسماسرة لهم حيلهم وطرقهم في التلاعب حتى على الدولة نفسها، والخاسر أخيراً هذا المواطن المسكين.
إن ارتفاع أسعار الغاز إلى مائة وخمسين جنيهاً، بدلاً من مائة جنيه، هذا حرام، وإذا سكتت الدولة على ذلك تكون قد شاركت أولئك اللصوص في زيادة أسعار قوت الشعب، ولن تتوقف عمليات الزيادات، فإذا سكتت عن الزيادات غير المبررة عن الغاز، فغداً ستكون في سلعة أخرى أكثر أهمية، كما حدث في أسعار الدواء الذي تصاعدت أسعاره بصورة فلكية، وتدخلت الدولة، ولكن هل التزمت الصيدليات بالأسعار الجديدة؟.
السوق السوداني يعمل بدون رقيب أو حسيب، وكل صاحب سلعة يبيع ويشتري بطريقته، لا الدولة وضعت أسعاراً يلتزم بها الجميع، ولا التجار عملوا بما جاء في الأحاديث النبوية، فأصبح أكل الحرام أسهل من أكل الحلال، فالكل يريد أن يغنى بين يوم وليلة، ولا يهم الحرام أو الحلال، حتى صغار التجار أو صغار المواطنين تعلَّموا من الكبار، فانظروا إلى صغار الباعة بالإشارات الضوئية أو الذين يقفون تجاراً فيها، فالسلعة التي قيمتها عشرة جنيهات، يقول لك بخمسين، ومن ثم يبدأ في المفاصلة في السعر، حتى يصل إلى السعر الحقيقي، فالغش أصبح سمة من سمات أولئك التجار، أو الذين يريدون أن يكونوا تجاراً على حساب المواطن البسيط.
إن القانون المستخدم الآن في ثلاجة، أو ميِّت، أو غير مفعَّل،لا ندري لماذا تجتهد الدولة في عمل القوانين ثم تتركها في الأرفف؟ نحن لن يخيفنا إلا تفعيل القانون، فإذا فعلت الدولة قوانينها ستجبر كل المتلاعبين بالأسعار يعودون إلى صوابهم. في الماضي كانت هناك مباحث تموين وجهات تراقب الأسعار وتقوم بعمليات تفتيش دورية، وتحاسب كل من لم يضع الديباجة على السلعة المعنية، شاهدنا ذلك بأم أعيننا والمباحث تقود المخالفين إلى الحراسات. أما اليوم فكل شخص يبيع على كيفه، ولذلك نجد كل يوم سعر، فالغاز الذي كان سعره بعد الضجة الكبرى ما بين “أبرسي” والحكومة، وتم الاتفاق على سعر محدد، الآن تضاعف أكثر من مرة خلال أشهر قليلة، والدولة كأن الأمر لا يعنيها، ولا اعتقد في ظل الصمت الحكومي سوف تتراجع الأسعار، إن لم تتصاعد.