موضة اسمها تكريم!!
برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة اسمها التكريم، وامتلأت صفحات الجرايد بأسماء المكرمين، ولا ندري على أي شيء استند على تكريم أولئك، وما الأعمال أو الإنجازات التي قاموا بها هؤلاء حتى يتم تكريمهم، نحن في السودان كل مرة نبتدع أشياء لا أساس لها، نترك الأهم ونمشي لغير المهم، وحتى الذين نظن أنهم يستحقون التكريم نجد أن هناك جهات تحاول أن تنتفع منه أو نفس الشخص يعمل لنفسه هيلمانة لعملية التكريم، ولذلك كثير من عمليات التكريم تأتي بلا رائحة أو طعم، بينما الأشخاص المفترض يتم تكريمهم تجدهم منزوين بعيداً لا أحد داري بحالهم رغم الجهد المبذول الكبير الذي قاموا به في خدمة المجتمع أو الإنجاز الذي حققه للوطن قبل أن يحققه لنفسه، ولذلك يجب على الجهات التي تقوم برعاية عمليات التكريم أن تدرس الحالة أولاً، وهل هذا الشخص يستحق التكريم من العمر الذي أفناه في مجاله، وما هي الأعمال التي قام بها، ما هو الإنجاز الذي يستحق عليه التكريم؟ وإلا تصبح عمليات التكريم مثلها ومثل حفلات التخريج التي لا معنى لها، الآن وكما يقول المثل السوداني (شكارتها دلاكتها) فالتكريم ليس عمل ساهل على الأقل للذين قدموا عطاءً كبيراً للبلد، وبلغوا من العمر أرذله انزووا بعيداً عن أنظار المجتمع، فعملية التكريم هذه بمثابة رد الروح إلى الجسد ورفع معنويات هذا الشخص، وأن ما قام به يجد التقدير والثناء، ولكن أن تكون هنالك هيلمانة لشخص لم يصل عمره العملي عشرات السنين، ونقوم بتكريمه، بينما هناك أشخاص طافوا البلاد طولها وعرضها، وامتدت خدمتهم لأربعين عاماً أو خمسين، وكانوا يعملون في صمت، فهؤلاء هم الذين يستحقون التكريم أن كان على المستوى السياسي أو الفني أو الرياضي أو الاجتماعي أو غير ذلك، ممن أفنوا زهرة شبابهم خدمة للوطن، وحتى عمليات التكريم ومن يرعونها، نجد أن هذا المكرَّم وأثناء حفل التكريم تأخذ أحدهم الهاشمية ويعلن عن تبرعه للمكرَّم، إما بسيارة أو مبلغاً من المال، ولكن حينما تنتهي الهيلمانة وتلملم الكراسي ويفك الصيوان ويذهب الناس إلى حال سبيلهم، تجد المكرَّم يبحث عن السيارة التي وعده بها، زيد أو عبيد، وبعد الاحتفال يجري هنا وهناك، وأخيراً لا يجني إلا السراب، وأذكر أن أحد لاعبي كرة القدم، أقيم له احتفال تكريم ضخم، وتدافع الناس لهذا التكريم، وانهالت التبرعات من هنا وهناك، وخلال الحفل صعد على عربة مكشوفة طافت به الميدان، وهو يلوِّح بيده للجمهور الغفير الوفي الذي لبى النداء، ولكن ماذا حدث بعد أن انفض السامر، لم يجن هذا المكرَّم إلا الابتسامات من أولئك الأشخاص الذين حملوه على تلك السيارة وطافوا به الميدان، لم يعرف أين ذهبت تلك الأموال التي دفعت لتكريمه ؟ وأين تلك الوعود التي تبرع بها وجهاء المجتمع؟ لقد ذهب التكريم إلى جيوب آخرين، وبالتأكيد لا أحد يستطيع أن يتجرأ بالسؤال عن المال الذي جاء إلى هذا الشخص الذي تم تكريمه.
إن عمليات التكريم هذه الأيام، إما أن يكون وراءها جهات تحاول أن تستغل الموقف، لأن في نظري الذين يستحقون التكريم لم يكرَّموا بعد، وما يجري عملية عبثية يفترض رفضها من قبل هذا الشخص بحجة أنه لم يقدم شيئاً يكرَّم عليه، حتى يذهب التكريم لمستحقيه.