كيف نشأت الحركة الإسلامية بالمهدية (4)
قيادات الحركة الإسلامية بمدينة المهدية الحارة الثانية لم يفاتحوا أولئك الطلاب أو الشباب عن الانضمام لحركة الإخوان المسلمين، ووقتها كان سلوكهم ومعاملتهم الطيبة مع الطلاب كانت جواز المرور للانضمام في صمت.. فإذا أخذنا مثالاً كالأستاذ “محمد النجومي محمد دولة” طالب الآداب بجامعة الخرطوم وقتها كان يدخل الطمأنينة في نفسك بأنه شقيقك الأكبر أو الأصغر، وكذلك الأستاذ “عمر عبد القادر” صاحب الروح المرحة والمداعبة اللطيفة والدكتور “أحمد آدم” والدكتور “إسماعيل محمد أحمد البشير”، هؤلاء أشخاص كانوا أشبه بالملائكة من الطيبة وحسن الخلق والمعاملة.
لقد قامت الفكرة على العلاقة الاجتماعية أكثر منها العلاقة السياسية التي نراها اليوم، فتربية الناشئة دينياً وأخلاقيا كانت واحدة من أهداف الدعوة، ولذلك كل الطلبة آنذاك كانوا يميلون إلى جانب التدين أكثر من العمل السياسي. وإذا كان هناك عمل سياسي يأتي من بعد ذلك، وفعلاً جاء العمل السياسي من بعد ذلك، فأذكر أن كلية التربية جامعة الخرطوم وطلبة الآداب المعنيين بتجنيد طلبة الثانويات، بدأوا تدريجياً سحب الطلبة من الجانب الديني إلى الجانب السياسي، فبدأت الندوات السياسية داخل حرم جامعة الخرطوم، فكلفت مجموعة لالتقاء أولئك الشباب بأحد مساجد الكلية، ولأول مرة نذكر تعرفنا على الطالب “ابن عمر محمد أحمد” الذي كانت له صولة وجولة داخل جامعة الخرطوم. كان متحدثاً لبقاً وخطيباً مفوهاً نذكر عندما حاول أن يعرف نفسه قال أنا ابن امرأة تأكل القديد ومن ثم شرع في بقية التعريف بالاسم الكامل والمنطقة والكلية، كانت هناك ندوة يقيمها الاتجاه الإسلامي بجامعة الخرطوم وصعد أولئك الطلاب في أحد بصات كلية التربية، لم تكن المجموعة كبيرة التي اختيرت للذهاب لتلك الندوة. وأذكر أن الأستاذ “حسين خوجلي” وقتها كان طالباً بمدرسة الأهلية الثانوية وهو بالسنة الثانية إن لم تخن الذاكرة. “حسين” كان خطيباً وهو في اتحاد الأهلية ولذلك اختير للحديث في الندوة وقف وهو واثقً من نفسه تماماً على المنبر وبدأ يتحدث وقيادات، من طلبة الاتجاه الإسلامي يستمعون إليه. لم أتذكر كل التفاصيل في ذاك الوقت ولكن كان يقف إلى جواره عدد من طلبة الجامعة فأعجبوا بخطابة “حسين” وقالوا والله هذا الطالب سيكون له شأن عظيم في العمل السياسي وقد كان، ولكن “حسين” بعدها مال إلى الأدب والشعر والصحافة أكثر من العمل السياسي الذي يصل بالمرء إلى الوزارات والمواقع المرموقة في العمل السياسي، وهاهو “حسين خوجلي” ابن الطاشر سنة في ذاك الوقت يجبر طلبة جامعة الخرطوم بالتنبؤ بمستقبله السياسي.
إن الحركة الإسلامية أعدت آنذاك الشباب إعداداً جيداً من حيث العمل والفهم والطموح، حتى ولو لم يواصل أولئك الطلبة بعد ذلك في صفوف حركة الإخوان المسلمين، ولكن تبقى تلك الروح الطيبة بين الجميع وتبقى العلاقات أن أولئك الشباب لو لم يدخلوا في ذاك الزمن في صفوف الحركة، ربما لم يصلوا للذي وصلوا إليه من تقدم في العلم والمعرفة وفي المواقع، بالإضافة إلى أن الحركة قد حفظتهم دينياً واجتماعياً وسلوكياً . . ففي تلك الفترة يسهل الانحراف أما أكثر الموبقات التي تجرف الشباب آنذاك، لم ينجُ منها إلا من حفظته العناية الإلهية.