هل اختفى دور المسحراتي؟!!
اختفت ظاهرة المسحراتي، ولا أعتقد أن أجيال هذا الزمن قد سمعوا أو شاهدوا المسحراتي الذي يقوم بإيقاظ الصائمين لتناول وجبة السحور، فيبدو أن النت قد أثر على هذا الجيل الذي يقبع لساعات طويلة يقرأ ويتابع ويتحدث مع الأصدقاء بالداخل والخارج أو يجلس لمتابعة الفضائيات حتى الساعات الأولى من الصباح.
الصائمون في الماضي بعد أداء صلاة العشاء والتراويح يخلدون إلى النوم، ولا يستيقظون إلا مع (ضربات) المسحراتي الذي يستخدم طرقاته الحادة والمتواصلة على الصفيحة، وفيما بعد طُورت إلى النوبة فيصحا الصائمون، ويتناولون سحورهم، الماء أو اللبن مع التمر أو الأرز باللبن أو الرقاق، وأحياناً الأسر تصحو وتطهو الأكل وتتناوله قبل الآذان الأخير للفجر.
عادات كثيرة اندثرت بمرور الزمن فأذكر أن محافظ أم درمان الأسبق ود البرير، حاول إعادة العادة القديمة التي كان يتمسك بها أبناء أم درمان، مثل مدفع الدلاقين، الذي كان يطلق لحظة الإفطار وكان موجوداً بالقرب من مدرسة أم درمان الأهلية الوسطى، ود البرير، حاول أن يحيي تلك العادة التي كان يتمسك بها سكان أم درمان، كما أحيا زفة رمضان بعد أن تولى المقعد، فأدخلت في نفوس المواطنين والذين عايشوا الزمن الجميل البهجة والسرور، كما حاولت أن تربط الجيل القديم بالحديث وتعيد إليه قيماً وتراثاً كاد أن ينقرض، ونحن في هذا الشهر الفضيل لا أظن أن هناك حيَّاً أو منطقة تصحو على ضربات المسحراتي لتناول السحور.
في وقت مضى كنا مجموعة من شباب سكان الثورة الحارة الثانية، والأولى والرابعة والسادسة، كنا مجموعة آمنت بربها فبعد أداء صلاتي العشاء والتراويح نجلس بالمسجد حتى ما يقارب وقت السحور فنحمل الصفائح ونقوم بعمل المسحراتي ولا أحد يعلم بذلك، من تلك المجموعة، سفيرنا الآن بالسنغال البعيد محمد العبيد، وشقيقه لاعب الهلال الدولي والمعلق الرياضي بقناة الشروق رشيد المهدية، والدكتور إمام محمد عبد الرحيم، وشقيقه محي الدين، والدكتور عاصم الباقر، وشقيقه الباقر علي الباقر، وكمال محمد عثمان، ومجموعة من الشباب الآن يتبوأون مراكز رفيعة في المجتمع، كنا نقوم بدور المسحراتي طوال شهر رمضان نطوف بأحياء الثورة من الثانية وحتى الحارة السادسة ولا نعود إلا بعد أن يحين وقت آذان الفجر، ومن ثم ندخل مسجد الحارة الثانية فنؤدي صلاة الصبح في جماعة ومن ثم نتفرق ونلتقي عند المساء، كانت أيام جميلة فكنا نعلم أن هناك بعض الفاطرين فنقف بجوار منازلهم ونطرق على الصفيحة ولفترة طويلة مرددين يا فاطر نوم (وأتَّنْدل) يا فاطر قون (أتندل) وكانت نوع من المزاح البرئ مع تلك المجموعة الفاطرة، هل من جيل جديد يحاول أن يحيي تلك القيم الفاضلة في الشهر العظيم، وهل المحلية بإمكانها أن تلزم أعضاء اللجان الشعبية بالأحياء القيام بدور المسحراتي.