متى تنخفض قيمة المفسدين؟!
في وقت مضى حينما كنت بالمملكة العربية السعودية كان وقتها سعر الدولار منخفضاً عالمياً، فصديقي وزميلي “محمد الشيخ حسين” كان يشتري في الدولار فسأله أحد السعوديين ليش بتشتري الدولار وهو منخفض السعر عالمياً، رد عليه قائلاً هذا الدولار سوف أرسله إلى دولة لن ينخفض فيها أبداً. ساقتني تلك الواقعة إلى ما يحدث الآن في السودان، فكل من نهب وسرق المال العام سعره عالٍ جداً في كل الأوساط، فبدل أن ينخفض ويتوارى خجلاً من الفعلة التي ارتكبها تجده غالي الثمن في كل الأوساط والمجتمعات، طالما يملك المال والمال أصبح كل شيء في الأوساط الاجتماعية حتى ولو كنت حرامياً وسارق مال الغير.
أتابع هذه الأيام الترويح الإعلامي لفنانة تعدت على مال الغير وأصبحت مطاردة من أصحاب المال، وتركت البلاد ثم عادت من جديد بعد أن تمت تسوية المال الذي أخذته ولم تتمكن من إعادته لأصحابه، فالإعلام المقروء بدأ في حملة مناصرة لهذه الفنانة بدلاً من عتابها وشن حملة تجعلها تتوارى خجلاً من فعلتها، ولكن المطبلاتية من إخواننا الصحفيين يرفعون من يريدون رفعه حتى ولو أكل مال قارون.
لا أدري كيف يواجه المرء المجتمع إذا كان شخصاً مشهوراً وتعدى على مال الآخرين، ألم يخجل حينما ترصده الأعين، ألم يخجل حينما يتهامس البعض بأن فلاناً قد أخذ مال فلان ولم يعيده، ألم يخجل إذا حرر بلاغ في مواجهته بأنه أكل مال الغير. لقد انحطت أخلاقنا وأصبحنا بلا كرامة، بينما الإعلام يحاول رفع أولئك الوضيعين وجعلهم في مقدمة الصفوف بل يطبل لهم بأنهم عائدون عائدون إلى مواقعهم بقو، أين تلك القوة وأين تلك الكرامة. البنوك أحياناً تلعب دوراً كبيراً في إفساد الآخرين، فالبنوك أحياناً تمنح أموالاً لأفراد يعجزون عن ردها، وهؤلاء الأفراد بعد أن يستمتعوا بتلك الأموال الطائلة يلجأون إلى جهات أخرى يطلبون منها المساعدة.. وأحياناً تلك الجهات تحاول ستر الذين تعدوا على أموال الغير بدون وجه حق، بل تعدوا على مال الدولة، فبدلاً من دخول هذا الشخص السجن تتم تغطية الموضوع بشتى الطرق وإنقاذ هذا الشخص.
لقد أصبح المال سائباً ومن حق أولئك المفسدين أن ينالوا ما يريدون بشتى الطرق بالآلاف أو بالملايين أو بالمليارات، والمهم (يخمشوا) خمشتهم طالما القانون في إجازة ولا رادع آخر في غياب القانون، وإخواننا الصحفيون يطبلون لهذا أو ذاك طالما هم أيضاً ضميرهم غائب ومهنيتهم أكثر غياباً. فالصحافة دورها التنوير والتثقيف وتبصير الدولة وكشف الأماكن المظلمة ومواقع الخلل، وفضح أصحاب السلوك المعوج خاصة الذين يتعدون على مال الدولة ومال الآخرين، فهؤلاء أماكنهم السجون وليس صفحات الجرائد.