إرهاب وإرهاب
ليلة دامية مساء (الجمعة) وفجر (السبت) عاشتها فرنسا التي تعرضت عاصمتها “باريس” إلى هجوم طال في توقيت متزامن سبعة مواقع مهمة مكتظة بالناس، فسقط أكثر من مئة ثمانية وعشرين قتيلاً وأضعافهم جرحى. الهجوم الذي عد الأعنف والأوجع في تاريخ الفرنسيين سيكون حتماً بداية لتوجه جديد للحكومة الفرنسية التي نسيت فوراً ديمقراطيتها، ففرضت رقابة على الإعلام وصارت (تخمش) من طرف الطريق وبدت نبرة رئيسها حادة لدرجة انه يتحدث عن السحق والتصفية للارهابيين وهو معذور ففي مثل هذه الظروف لا مكان لخيار، إلا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
قتل المدنيين وترويعهم مرفوض قطعاً فللدماء حرمة وللأرواح؛ هذا موقف إنساني وأخلاقي لا حياد عنه؛ ومثل هذه الأنشطة العنيفة مهما كانت مبرراتها لن تحقق آخر الأمر سلاماً في العالم أو نصرة لقضية مهما كانت مبررات الفاعلين ودوافعهم، سياسية أو دينية أو حتى شخصية. العنف لا يولد إلا عنفاً مضاداً وإزهاق روح يتحول إلى لعنة تجر تحتها أرواحاً أخرى.
فرنسا التي تعيش الآن أحزانها وتحوز مواساة العدو والصديق عليها أن تنظر من تحت مدامعها لضحايا بذات الذين سقطوا في “باريس”؛ عشرات الجزائريين رموا في نهر السين في تواريخ مضت ومثلهم بل مئات وآلاف قبروا في صحاري أفريقيا وأضعافهم في أفغانستان وسوريا والعراق؛ هذا أيضاً دم وإرهاب له ضحايا فهل تذوقت فرنسا اليوم معنى أن يقتلك أحدهم بلا سبب؛ أنا لا أبرر أو أخلق عذراً ولكني أدعوا لتحسس جرح المصاب، لأن قيمة الإنسان واحدة كان أفريقياً أسود أو أعرابياً لابس جلباباً أو شيخاً من البشتون أو فرنسياً من أصحاب الدماء الزرقاء.
الغرب عموماً تورط في استهداف تيارات الإسلام المعتدلين؛ حتى الذين اختارتهم شعوبهم ديمقراطياً دق الغرب أو يدق الآن أعناق تجربتهم فانفتح الباب والطريق أمام تيارات وأجنحة تقود الآن كل المنطقة والعالم لخيار المواجهة بالقتل والقتل المضاد؛ الغرب تورط في صناعة كل هذا ولن يجدي من آمر المعالجة إلا السماح بإقامة أنظمة من خيارات الناس حتى وإن كانت إسلامية، ولكن التدخل في ذلك أثبت دوماً أنه لا يسلم المستقبل إلا للأزمات. وقد حدث هذا من قبل في الجزائر أول التسعينيات، وحدث حينما كان خيار الفلسطينيين حماس وكذلك حينما اختار المصريون “مرسي”.
الإرهاب صادر ومنتج أوربي بامتياز والحرب عليه لكي تنتهي إلى محصلة ايجابية فلابد من التعامل بوعي؛ الركون لسياسة القصف والتجريم وتدمير الأرض والدول وحرقها لن يولد إلا حروباً وليالي حمراء دامية لن تتوقف إلا لتعود أشد قسوة وضراوة.