حتى الحجر يقول "تحتي فاسد"!!
الإنقاذ تطالب بتقديم الدليل على الفساد والمفسدين، ونحن نقول إن التستر على المفسدين هو السبب في انتشاره، ففي كل يوم تتصدر الصحف أخبار عن كشف فساد في الوزارة الفلانية أو في المنطقة العلانية، حتى كدنا أن نرفع حجراً فيكون تحته فساد ومفسدون، فلو اتخذت السلطات المختصة قوانين رادعة في مواجهة المفسدين بدلاً عن التستر عليهم لخاف الباقون من مد أيديهم والاستيلاء على أموال الدولة والشعب.. وما هزم الإنقاذ إلا أولئك المفسدون الذين ظلوا ينفذون من أية ثغرة تعطيهم الحق في التعدي على المال العام.. والمحاكم الآن بها عدد من أولئك الذين تم ضبطهم أو ربما لم يسدوا الثغرات، فانكشف أمرهم، وما بال قضية المعادن التي استولى فيها أحد العاملين على المليارات.. وكذا الحال في ولاية الجزيرة التي كشف واليها الدكتور “محمد طاهر أيلا” عن الكشوفات التي تصرف بدون وجه حق.. واليوم تصدر خبر صحف الخرطوم بضياع أكثر من مليار و(700) مليون جنيه في وظائف وهمية بجنوب دارفور، وقال الخبر إن (72) وظيفة بوزارة الزراعة ولاية جنوب دارفور كلها وظائف وهمية، وقال رئيس لجنة التحقيق “أحمد إبراهيم سمعان” إن مسؤولين في شؤون الخدمة والحسابات بوزارة الزراعة المعنية استغلوا نفوذهم وانحرفوا بالسلطة في توظيف موظفين بأسماء وهمية وظلوا يصرفون مرتباتهم دون وجود حقيقي لهم على أرض الواقع.
ما حدث بوزارة الزراعة ولاية جنوب دارفور دليل حقيقي على الفساد والمفسدين، وهناك عشرات الذين تعدوا على المال العام وكشفهم المراجع العام، لكنهم لاذوا بالفرار خارج أرض الوطن، فطالما القانون غائب أو ميت فمن حق أولئك عديمي الضمير أن يسرحوا ويمرحوا في أكل مال المواطن والدولة، ويجب على الدولة ألا تتستر على أي مفسد، لأن الفاسد يصيب الآخرين وعليها بتره قبل أن يتمدد ويصيب الآخرين.
ففساد الضمير وانعدام الأمانة أصبحت سمة سائدة في وسطنا حتى الذين يستدينون المال من الغير يتحايلون ويتهربون من إعادته لصاحبه، وانطبقت عليهم الآية الكريمة: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا..)، فالذي يأتيك منكسر الخاطر طالباً أن تسلفه مبلغاً من المال يرده لك بعد يوم أو يومين أو أسبوع أو أسبوعين، فلن تجد مالك ولا الشخص نفسه، وتظل تطارده.. وهو يغلق هاتفه منك، حتى تحس بأنك المدين وليس الدائن.. وأخيراً تستعوض الله في ما قدمته.
الإنقاذ الآن هزمها أولئك الفاسدون عديمو الضمير، وهي براء منهم ومن أفعالهم وأعمالهم، وإذا أرادت الإنقاذ أن تعيد سمعتها وسط الشعب السوداني فعليها القبض على أولئك اللصوص وتقديمهم إلى محاكمات عادلة، بل التشهير بهم حتى يكونوا عظة لغيرهم، وإلا سيستمر مسلسل الفساد في كل وزارة وفي كل ولاية، حتى يصبح سرطاناً يصعب الشفاء منه.. فهل تفعّل الإنقاذ القوانين حماية لسمعتها وسمعة الوطن الذي لوثه أولئك المفسدون؟!