تنظيم الأحزاب
أجمع كل من يراقب ويرصد المشهد السياسي أن بلوغ الأحزاب المقيدة أو المخطرة أو التي تعد نفسها فوق المنزلتين لجهة كونها أحزاباً كبرى؛ بلوغ هذه التنظيمات ما يقارب المائة أو يقل عنها قليلاً يبدو وكأنه أمر يحتاج إلى ضبط ومعالجة.. وليت الأمر يكون مبحثاً من مباحث وأجندة الحوار الوطني؛ حتى يستقيم أمر هذا العدد الكبير والذي هو في غالب أمره اسم مشتق من الديمقراطية والوطن، لكنه محض اسم تواطأ عليه شخصان أو ثلاثة زخرفوه ببعض جميل القول ورفعوه في صحيفة بإعلان برسم مسجل التنظيمات، بعريضة حشدت فيها قائمة المؤسسين من الأقارب والمعارف والجيران، حيث يمكن فيها حتى الجمع بين الأختين لنيل الرخصة!
عملياً وواقعاً فإن دور تلك الأحزاب بلا نشاطات، بدليل أن بعضها يعقد مكاتبه السياسية واجتماعاته التنظيمية في صالات الأفراح والكافيتريات و”صوالين” بعض الوزراء، ولا يملك غالب تلك الأحزاب مؤتمرات عامة لأنها ببساطة بلا جمهور أو أنصار.. وهكذا تتعدد السلبيات والنواقص التي تتطلب من قانون الأحزاب أن يكون حاضراً بصلاحيات واضحة للمسجل، بحيث تطال يده أي تنظيم صوري يظن أن الحزب اسم وديباجة.
أزمة مثل هذه الأسماء الكثيرة أنها تحول الفعل السياسي والحزبي إلى عمل مثل المزاح؛ وسيحتل العشرات مقاعدهم في مواطن الحلول الوطنية بدون تفويض أو جماهير يمثلونها، وسيدخل آخرون إلى موقع الولاية العامة بالاستوزار وغيره بلا وجه حق.. ولهذا ولكثير غيره فالأسلم أن تتجه هذه التنظيمات للاندماج، إذ لا معنى لأن تكون لدينا “عشرون” حركة شعبية موزعة مثل لحوم الصدقات لكل صاحب موقع سابق، وكذا الحال لحركات دارفور وأحزاب الأمة والاتحاديين وغيرهم، إذ لم نر لهؤلاء منجزاً سوى نيل الفرص للحديث في المواسم الوطنية والمناسبات.
لا نعرف فضلاً لحزب أو جماعة في العراك القبلي بدارفور رغم أن لها (50) فصيلاً تسيس، ولم نشاهد خيراً في قضايا الهوية لعشرات التنظيمات التي تذيل تعريفها بالإسلامي، ولم نر ممارسة ديمقراطية شعبية فيدرالية لأي من يلون راياته بتلك المعاني؛ ولهذا فإن المواطن البسيم معذور إن تجاهلها وسخر منها ولم يولها التفاتة إلا من خلال لفظة الاستفسار العامية (دا منو؟!)، حين يخطب أحدهم في حماسة مجلجلة ذات مساء أو ظهيرة عند منعطف تاريخي.
أعتقد أن مائة حزب في السودان استهلاك للشعارات والمناخات، وأعتقد أنه من الأوفق أن يراجع مسجل التنظيمات هذه الحشود.