مسألة مستعجلة
ورحل صاحب قلم الرصاص
نجل الدين ادم
كنا على موعد لإعادة ذكريات إفطار نهاية الشهر أو الشهرين الذي حرمتنا منه المشغوليات في السنوات الأخيرة بمنزل أستاذنا الكبير “عبد الله عبيد” الذي خطفه الموت قبل أن يكتمل الحلم ولم تسعفنا حالته التي نقل بها إلى العناية المكثفة بمستشفى فضيل التخصصي من رؤية الوداع. رحمة الله عليك يا أيها الإنسان وأنت ترحل دون أن تودعنا بوجهك الصبوح، وتودع برلمانك الشعبي الذي كنت تسخره لخدمة البسطاء وتسعد وأن تعين من يأتيك لقضاء حاجته، هكذا يشهد لك كل من عرفك.
وجبة السمك التي كان يحرص أستاذنا “عبد الله” أن يقدمها لنا كشباب من الزملاء الصحافيين حيث يحضرها معنا في بعض الأحايين صديقه الصحافي المخضرم “ميرغني حسن علي”، كانت منتدى نلتقي فيه واتكاءة ننهل فيها من تجاربه، يحدثنا بعمق عن سنوات الاستعمار وعن الحقب السياسية وعن الصحافة ما بعد السودنة وعن الرياضة في مجدها الذهبي، كيف لا والرجل كان لاعباً بارعاً في الفريق القومي في تلك الحقبة الذهبية وصحافياً لا يشق له غبار في سنوات الحكم المختلفة، وسياسياً هجر السياسة ممارسةً في السنوات الأخيرة.
وأنا بعد طالب بالثانوي كنت أقرأ وأقلب فيما يكتب الرجل عن هموم ومشاكل الناس ويعرضها في برلمان مفتوح، موجه للحكومة ولأصحاب القلوب الرحيمة، منيت نفسي أن التقيه عن قرب، فاستدارت عجلة الزمن وحملتني إلى عالم الصحافة للعمل بصحيفة (الأسبوع) لصاحبها الدكتور “محي الدين تيتاوي”، لانتقل من بعدها إلى صحيفة (أخبار اليوم) العريقة، حيث تحقق الحلم القديم في العام 2001 ووجدت هناك الأستاذ “عبد الله عبيد” يستقبلك كأنما يعرفك منذ زمن طويل وقلم الرصاص في يده يبحث عن سائل، وهناك وجدت رموزاً من الصحافيين الكبار الأستاذ الكبير “إبراهيم عبد القيوم” والراحل الأستاذ “أحمد عمرابي” والأستاذ “مصطفى أبو العزائم” والأستاذ “عثمان سنادة” وقائمة من نجوم الصحافة، يعملون بتناغم مع ربان السفينة رئيس التحرير الأستاذ “أحمد البلال الطيب”. ومن ما أحمده على (أخبار اليوم)، أنها جمعتني بهؤلاء النجوم الصحفية والأستاذ “عبد الله” الذي كسبنا منه الكثير موجهاً ومرشداً.
لك الرحمة أستاذنا القدير فقد كنا أنا وزملائي “عرفة صالح” بصحيفة (ألوان) حالياً وأخونا المجاهد بالدفاع الشعبي “آدم عبد الشافي” و”صلاح قسم السيد” الذي أخذته الظروف موظفاً في (اليوناميد) بمدينة الفاشر، والأخ العزيز “عصام مدثر” الذي هجر الصحافة والأخ الزميل “حسن حميدة” بصحيفة (اليوم التالي)، وبقية شلة منتدى السمك إن جاز لي تسميته، كنا على موعد أن نلقاك ولكنها الأقدار حملتك عننا، دون أن نراك. كان أستاذنا كريماً يعطي ويساعد ولا يرد أحداً. وعندما حضر إليه قبل سنوات خلت في ذات نهار بمقر الصحيفة د. “محي الدين تيتاوي” يطلب منه أن يترشح في قائمة اتحاد الصحافيين، تردد ولكنه آثر أن لا يكسر بخاطر من يقصده في عون، وبالفعل وافق وكان إضافة حقيقية لذلك الاتحاد.
وأذكر أنه كان عندما يهم بالمغادرة إلى منزله بالثورة ينادي في الزملاء بطريقته اللطيفة (أم درمان نفر يلا علينا مين ماشي؟)، فيودعنا نحن على أمل اللقاء في اليوم التالي، ولكنك اليوم نسيت أن تودعنا لنلتقي بك مرة اخرى، وتركت كل أصدقائك يبكون، لك المغفرة أستاذنا، ونسأله تعالى أن يجعل البركة في أبنائك، وفيما قدمت لهذا البلد، وإلى جنات الخلد إن شاء الله.