عز الكلام
أزمة ضمير
أم وضاح
إطلاقاً ليس من باب شخصنة القضايا ولا من باب استغلال هذه الزاوية لسرد حكايات وقصص تتعلق بكاتبتها، ولكن لأنه وفي حراكنا اليومي ومشاهداتنا الحياتية واصطدامنا بقصص واقعية الأقدار وحدها جعلتها على مرمى أبصارنا لأن أبطالها شخوص تربطنا بهم صلات الدم أو الصداقة أو حتى المعرفة العامة، أتبنى عكس هذه الحكايات وسرد وقائعها لأنها بالتأكيد تتكرر صباح مساء مع اختلاف الأسماء والعناوين.. ومن هذه القصص واحدة حدثت فصولها أول أمس لأسرة كريمة جمعتنا بهم الصداقة والخوة في الله ولله، تعرض والدهم الرجل الطيب لأزمة صحية طارئة والرجل مصاب بعلة في القلب ويتابع منذ زمن طويل مع أحد الاختصاصيين في المستشفى الخاص الشهير (العاملين ليه قومة وقعدة)، المهم أن ابنته اتصلت بي أول أمس، وقالت لي: تخيلي يا “أم وضاح” أبوي موجود في المستشفى من منتصف النهار وحتى الآن- ووقتها كانت السادسة مساءً- لم يتكرم الطبيب الإنسان بالكشف عليه، وعلينا بالانتظار حتى يخلص من عيادته في الطابق العلوي لأن أبوي بتعالج بالتأمين الصحي وعليه الانتظار حتى انتهاء كشف المرضى (الجايين بحقهم).. وبات الرجل ليلته في المستشفى وأصابه (حبس بول) وانتظروا طبيباً آخر يأتي في دوامه لمعاودته عبر العيادة الخارجية للمستشفى.. المهم أن الطبيب لم يحضر حتى ثاني يوم لتتدهور حالة الرجل الطيب مساءً، وعندها فتح الله على (الطبيب الإنسان) أن يأتي ليراه، وعند دخوله توقف قلب الرجل وأسلم روحه الطاهرة إلى بارئها!
هذه القصة والله ليست من بنات أفكاري، لكنها واقع يلخص حجم الأزمة (والقرف) الذي نعيشه، والتأمين الصحي الذي هو في كل بلاد العالم يحفظ للمواطن هيبته وإنسانيته وهو (نعمة) تحول عندنا بفعل ممارسات الجشع والطمع إلى (نقمة) وكأن حامل هذا التأمين (شحاد) ومواطن من الدرجة الثانية.. أنا بالقطع لا أعم كل المؤسسات الطبية في هذا الفهم، لكن بعضها تخلى عن إنسانيته، كما حدث في هذا المستشفى الذي صنف المرضى إلى صنفين.. صنف (فرست كلاس) يمنح كامل الوقت وكامل الاهتمام، وصنف من الدرجة الثانية كل ذنبه أنه من المواطنين الكادحين الذين رماهم قدرهم في مصيدة التأمين.
لذلك فإن هذه الازدواجية في التعامل ينبغي أن تجعلنا نعيد النظر في المقاييس التي وضع من أجلها التأمين الصحي لينزل إلى أرض الواقع خدمة لحامله، الذي ينبغي أن يجد كامل الاهتمام ويعامل بالمثل.. وحتى في الصيدليات.. يعني شنو دواء تحت التأمين ودواء خارج مظلة التأمين، تأمين يعني تأمين دون اللعب على الألفاظ والأهداف التي تدبج لها الشعارات ويصبح (لبانة) في خشوم المسؤولين يلوكونها في اللقاءات التلفزيونية ويوهمون بها من يستمع إليها ويشاهدهم، لكن على أرض الواقع هي مجرد أوهام لا تغني ولا تسمن من جوع.
على فكرة كان نفسي أقابل هذا الطبيب الذي تمنع عن زيارة مريضه ثم جاءه متأخراً ليجد قلبه العليل قد توقف.. نفسي أسأله: كيف أغمضت عينيك ليلتها ونمت قرير العنين هانيها؟؟ يا سادة أزمتنا ليست سياسية ولا اقتصادية، أزمتنا في المقام الأول أزمة ضمير.
{ كلمة عزيزة
التحقيق الذي أجراه أمس زميلنا الشاب “سيف جامع” من مدينة بورتسودان عاكساً صورتها ما بعد رحيل “أيلا” عنها هو تحقيق لخص مشاكلنا بكامل الشفافية والوضوح، لأن التراجع الذي حدث في ثغر السودان الباسم ليس ناتجاً عن أن المركز كان يفتح خزائنه لـ”أيلا” ثم قفلها بالضبة والمفتاح بعد رحيله ولا لأن بورتسودان كانت يتدفق باطن أرضها ذهباً أسود توقف بعد رحيل الرجل، ولا لأن “أيلا” كان يملك عصا سحرية حول بها بورتسودان إلى مدينة سياحية ملء السمع والبصر!! المشكلة أن رحيل “أيلا” كشف أن أزمتنا ومشكلتنا هي في إرادة المسؤولين وقدرتهم على صنع النجاح.. وإلا ما الذي يجعل كل إنجازات “أيلا” تذوب في ظرف خمسة شهور؟؟ يا ربي كانت مبنية بسكر واللا شنو؟!
{ كلمة أعز
لا أدري هل هي سابقة أم أنها بدعة أم أننا نصدر تجارب فذة وفريدة للآخرين.. يعني “عمرو موسى” وزير الخارجية المصري عندما ترك موقعه أصبح أميناً عاماً لجامعة الدول العربية وهو ترفيع للرجل ما من شك، لكن شنو البخلي رجل زي دكتور “مصطفى عثمان إسماعيل” الذي كان وزيراً للخارجية يعود ليصبح موظفاً في الوزارة التي كان وزيرها؟! فهمونا يا خلق الله يمكن في حتة رايحة علينا!!