سلام سلاح
أغسطس من كل عام وفي الرابع عشر منه تحتفل القوات المسلحة بعيدها، إذ في مثل هذا اليوم من العام 1954 تسلم الفريق “أحمد محمد باشا الجعلي” أول قائد عام سوداني الراية من الجنرال الإنجليزي “أسكونز”، فمبارك للقوات المسلحة السودانية عيدها، وحفظها الله لهذا الوطن مؤسسة ترفع هامات الرجال، لم تردها صروف الزمان ولا انكسارات الأزمنة عن سبقها في الفداء والتضحية، فظلت تقدم كل عام فوجاً من الشهداء الذين كلما انكشف غطاء عن طرف للوطن ثبتته القوات المسلحة بجماجم أبنائها، ونثرتهم في كل الفجاج يوم الروع يصطلم.
لا أعرف أين احتفل القوم هذا العام بعيد الجيش، فمن جور الزمان علينا أن هذا العيد ليس (الفالنتاين)! أو مطلع رأس السنة الميلادية، حيث (التراويس) وأخلاط السلوك وحذلقات التمدن، ربما تذكره البعض أفراد ومؤسسات وربما لم يفعل البعض ولذا فإني أسوق تحيتي للجيش بالعموم و(لا خيل لدينا نهديها ولا مال) سوى هذه الأسطر الراعشة وأخطها اليوم للرقيب “رهود” الشهيد الذي احتضنته تربة النيل الأزرق في (قفة) وكأني به يبتسم كعادته، إذ يظل في أصعب المواقف وأحلك الظروف ثابتاً ورابط الجأش و(القاش) خبرناه ورعانا وكنا بعض شباب قادتهم القناعات والولاءات لله والوطن إلى الكتيبة (431) ضمن فوج للمجاهدين، فعاصرناه في (الاستوائية) وفارقناه حتى التقطنا نعيه وقد استشهد في النيل الأزرق وذاك (أويس) هذه البلاد، سمتاً وملامحَ ..وكرامة.
أذكر بإعزاز كبير عقيداً اسمه “عبد الباقي محمد قسم السيد” من نواحي النيل الأبيض كان بطلاً كأنما استقر عزمه على أن يتقدم الصفوف، وكأنما (أبو فراس الحمداني) عناه بقوله لنا الصدر دون العالمين أو القبر، كان قصة وحكاية من البطولات الشامخة، وحتى بعد أن جرح وأصيب وتمدد على الفراش الأبيض بالسلاح الطبي، ظل بذات العنفوان وزاد عليه بصبر كرواسي الجبال مهابة ورزانة، فلا يدري معيده هل أصيب الرجل أم أصاب عزمه زخات الرصاص ونتوءات القذيفة التي أصابته!
ويمتد الوصل بالشهيد الملازم “فتح العليم نصر” من سلاح المهندسين ابن الحي ورفيق الطريق والجوار والفكرة، حينما كان مشروعنا هذا أشواقاً تظلل مجالس الرجال والشباب وتجذب إليها النابهين كالفراشات، ابن حجر العسل، والفقيه رغم صغر سنه والأكاديمي المتميز، “فتح العليم” الذي مضى شهيداً لله في الخالدين، فما غاب وجهه الوضئ عن خاطري الذي يحاصرني باستفهام مرير ويحكم؟ أبعد أن بذلتم لهذا الوطن شاباً مثله تطوون رايتكم معطونة في قيل وقال ومن فعل ماذا ؟! وأذكر وأذكر وأذكر وأذكر ، عقداً نضيداً من الشباب الأوفياء المجاهدين الذين عاشوا رجالاً وماتوا رجالاً، ولهذا ستظل القوات المسلحة وتبقى منزلاً طاهراً وموقعاً لا يقبل إلا الشرفاء النابهين، لأنها حوض لا ينعقد فيه الاختصاص إلا للأوفياء الوطنيين وأمة من الناس لا تعقد لواء قياداتها إلا لمن خلصت دواخلهم واستطالت قاماتهم بالبسالة والعزم.
التحية لإخواننا في الجيش في عيدهم الذي هو عيد الوطن بأسره.