جدل المعادن..
بت أشعر أحياناً بأننا نتجه لرسم واقع أسود ومأساوي تتخلق به حالة معنوية قوامها الإحباط والانهزامية بترجيح كفة المصائب على ما سواها والبعض إن لم يجد كارثة خلقها واصطنعها، وأقرب الأمثلة حالة الشركة الروسية التي تعاقدت مع وزارة المعادن في اليومين الأخيرين من الشهر الماضي، وحسب المتاح على هامش المناسبة يومها تم التأكيد على أن “سيبيريا للتعدين” اكتشفت أكبر احتياطات من الذهب الخام في ولايتي “البحر الأحمر” و”نهر النيل” وذكر رقم أشار إلى أن الكميات المرجوة من الذهب تبلغ 46 ألف طن بقيمة تقارب (298) مليار دولار، وتنفس الناس الصعداء قياساً على توصيف (الحاري ولا المتعشي)، وانتهت المناسبة وانفض القوم قبل أن يصعد الأمر مرة أخرى على نحو مفاجئ إلى واجهة الأحداث!
ثرثرات متباعدة على الأسافير، غمز هنا همس هناك وتحولت تلك القصاصات شيئاً فشيئاً إلى قصة تكبر وتتضخم، نبش الباحثون الدروب والدهاليز وخرط الجمهوريات السوفيتية، تحول البعض إلى فضولي يرغب في عد (حرافيش) السمكة! أفتى متطوعون سريعاً بأن لا (شركة) ولا يحزنون، مضوا أكثر من ذلك واقتطعوا “سيبريا” من فوق الجغرافية، وانساب السير ثم انصرفوا للتشكيك في الأرقام فحذفوا خانة عشرية وأضافوا فاصلة، وبشكل غريب انحرف حدث سعيد ليكون كتلة من الظلال والشكوك القائمة على هوامش الأمر من شاكلة الأخذ بأقوال خبير ومستشار أنهت وزارة المعادن التعاقد معه حتى صار أشهر من “بكري المدينة”، أو تتبع آثار حديث لرئيس مجلس إدارة الشركة الروسية ترك القوم كل روايته وطاروا زرافاتا ووحدانا لفك شفرة صمته عن (شريكه) الذي لن يفصح عن اسمه.
إلى الآن وحتى اللحظة لم أجد نقاشاً علمياً حول (عضم) القضية، هل نملك ذهباً في تلك الأنحاء؟ والإجابة الأهلية وبشهادة هجرات الشباب إلى التعدين الأهلي تقول نعم، هل الكميات ضخمة ومجزية؟ والإجابة حسب المسوحات والكشوفات التي قامت بها “سيبريا” وغيرها تقول أيضاً نعم، هل نملك وزارة للخارجية وقبلها وزارة للمعادن وسفارات وأجهزة مختصة لها علاقاتها الخارجية التنسيقية؟ والإجابة نعم، وعليه فمن الأكيد والمؤكد أن أمراً كهذا أُخضع للبحث والفحص ثم التشاور، وحدث بمثل هذه الضخامة والأهمية لا يجوز أو يحتمل ولو بنسبة صفرية أن يكون قد عبر كل تلك الدوائر وتأسس على ترتيب خاطئ.
لنفترض أن الشركة الروسية ستخرج (وقية) فقط فما الضرر في الأمر؟! وأقول هذا لجهة تمسك الناقدين بعدم صحة الرقم المذكور من الاحتياطات – هم لا ينكرونها – ولكن يرون أنها (كتيرة) وانصرفوا يحدثونا عن التاريخ والفراعنة والهكسوس، فالأمر سادتي خيرات بلد ومقدرات اقتصادية من حق الحكومة أن تفجرها وتستخرجها من باطن الأرض، ولهذا كنت أتوقع أن يكون الجدل حول (النسبة) العائدة على البلاد وأهلها وسبل التوظيف الايجابي للعوائد على معاش كل المواطنين والولايات التي على أرضها تجري تلك الثروات.
أشعر أحياناً وأحس أن هناك من لا يريد خيراً لهذا البلد، لا يرحم لا يخلي رحمة ربنا تنزل.