الفقرة (19)
نواصل اليوم تفكيك مخرجات متمردي قطاع الشمال في اجتماعهم الممتد لخمسة أيام إذ تورد الفقرة الموسومة بالرقم (19) (إسقاط النظام هو الهدف الرئيسي عبر طريق الانتفاضة ومساندة الكفاح المسلح، وأن عليهم توظيف جميع الآليات لتحقيق التغيير دون افتعال تناقضات أو عجز عن إدراك الروابط بين مختلف الآليات، ومواصلة التفاعل مع المجتمع الإقليمي والدولي وتأكيد أن النظام هو الذي يرفض الحلول، وبالطبع فقد قصقصت بعض الكلمات لاعتبارات الاختصار إذ من الواضح أن محرر الورقة أكثر من تكرار بعض الجمل والعبارات بشكل ممل جعل هذه الفقرة وكأنها تقرأ من شخص يكثر من التأتأة!
إن الحديث عن (الكفاح المسلح) هكذا جهراً يعني ببساطة أن الحركة الشعبية تتمسك بخيار العنف لطرح مشروع فشلت حتى الآن في إقناع الناس به، وحينما أعني الناس اقصد حتى السكان المحليين في النطاقات التي تتحرك فيها جماعات التمرد إذ بشهادات موثقة فإن تلك القرى والمناطق لا تكره شيئاً قدر مقتها للمتمردين إذ يتعرض المواطنون لعذابات ممتدة تبدأ من الإجبار والقهر في أعمال التجنيد وليس انتهاء بالنهب المستمر وأعمال السخرة ومضافاً إلى هذا القتل والسحل لاتهامات ظنية بالتعاون مع السلطات الحكومية أحياناً وكثيراً وحينما تدخل القوات المسلحة بعض المناطق كان أولئك السكان يتنفسون الصعداء ويستقبلون أبناء الجيش بالزغاريد والأفراح وبالتالي سيكون من سؤال لو أن للحركة الشعبية من برنامج ومشروع و(خير) فلماذا لا يراه الناس في تلك الأرجاء وكيف لمن فشل في إقامة العدل بقرية أن يطلبه للسودان كله؟
إن جهة متمردة حينما تتمسك برفع السلاح واحتراف العنف لا تترك الخيار لأي حكومة محترمة في انتهاج نهج الحسم العسكري، وأي دولة في هذا العالم قد تفاوض وتستمع للمقترحات السياسية لازمة فصيل أو جماعة من وطنها لكنها في حال اكتشافها أن الطرف ذاك إنما يستخدم المفاوضات لأغراض شراء الوقت فإن لا مناص حينها من الرد بقسوة وحزم لأن الحكومة هي المسئولة عن حماية البلاد والمواطنين ومقدرات الدولة وعليه ووفقاً لموجهات واتجاهات اجتماعات متمردي قطاع الشمال فإن هذه الوثيقة تأكيد على أن هذه الجماعة لا ترغب في السلام وطالما أنها اختارت طريق البندقية فالأسلم أن تكون المبادرة من هنا سياسياً وقبلها عسكرياً لأن أعمال التخريب وترويع المدنيين ستستمر مع غباء بعض من يظنون أن قتل امرأة أو تدمير مؤسسة خدمية كفاح مسلح.
إن الخلاصة التي يمكن للمرء ابتداءً أن يفسر بها مواقف متمردي قطاع الشمال تفيد بأن هذا الفصيل لا يملك تصوراً محدداً للسلام، وأن ثمة صراعات داخلية وتقاطعات ومؤثرات إقليمية ودور وكالة مرسوم له لا يجعل له قراراً أو قدرة على اتخاذ مواقف إيجابية ولو على سبيل الحديث والمبادرة وهو يتخندق في مشروع عسكري عنصري لا أتوقع له كسباً أو نجاحاً، فما للظالمين من أنصار.