شارع "جون قرنق"
دهشت لدعوة بعض الناشطين وتنظيمهم حملة على وسائط التواصل الاجتماعي من أجل تغيير شارع أفريقيا -المطار – بالخرطوم ليحمل اسم الزعيم الجنوبي “جون قرنق”، إذ أعد الأمر من باب الانتهازية العاطفية والتسويق النضالي، لأن إن كان للرجل فضل فلشعبه ودولته هناك التي اقتطعها حواريوه وأنصاره وذهبوا بها بولاياتها وشوارعها ومطاراتها، فإن كانوا أهل بر وتكريم للرجل فليسموا أياً منها باسمه. وقد زرت “جوبا” ولحظت أن مرقد “قرنق” لا يزار إلا في المناسبات الحكومية وهو محروس بالدبابات ومغرزة من الجند، وهو ما يشير لحجم الوفاء الشعبي هناك فما بال شباب أهل السودان الشمالي!
اختار أهل الجنوب بطوعهم ورضائهم قادة وعوام الانفصال رغم محفزات الوحدة وابتزوا الوطن الأم، وكانت الحركة الشعبية بتعاليم “قرنق” نفسه رأس الرمح لكل المؤامرات والمشاكل التي لا يزال شعبنا يدفع ثمنها في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان. وإلى اليوم فإن أي عسكري أو مدني سوداني يسقط أو يكلم فإن من ضمن المتورطين طرفاً جنوبياً، وكانت آخر الإثباتات في قوز دنقو حينما ضبط الجناة وظهروا بعلامات الجيش الشعبي وردائه فهل بعد العدوان كفر.
شارع أفريقيا إن كان يسمى لبطل أو عظيم ففي تاريخ البلاد ورجالها حيز ومتسع من عشرات الجند والمجاهدين الذين قبروا في الجنوب نفسه ليتمتع النشطاء العبقريون بثرثرات الواتس والفيس؛ إن كان لابد من تسمية فأولى بها ابني الدولب وعلي عبد الفتاح وعوض الكريم عثمان وعثمان عيسى ودودو كبيدة شيخ المسيرية السبعيني أو مبارك سراج شهيدنا في دارفور أو شهداء تلودي أو الناصر أو أبو كرشولا أو الشهداء الأطفال الذين سقطوا بالقصف في كادوقلي؛ عشرات وآلاف هم أحق مليون مرة من “جون قرنق” الذي قطعاً لا يعمى عنه رفيقه “سلفاكير” وهو يملك القرار ليسمي باسمه كل شوارع “جوبا” ولكنه لم يفعل ولن يفعل.
إن من لم يكن وطنياً لوطنه لا يكون هكذا لبلد آخر ومن عمي أو ضل عن حفظ التقدير لمن فدوه بأرواحهم من أبناء وطنه، لا يملك الحق لتكريم الآخرين خاصة إن كانوا عدواً ولو ادعوا الجوار والقربى بالجغرافية وواقع السياسة والحدود الجديدة.
شارع أفريقيا شارع في عاصمة السودان الطاهرة وسيظل هكذا لا يحمل إلا اسم بلده وسمتها، وإن رغب البعض بالمتاجرة وممارسة الألاعيب العاطفية فليفعلوا ذلك بقدر من المنطق الرصين، وعليه لا شارع باسم “جون قرنق” في الخرطوم.