وزارة العدل من "الترابي" إلى "عوض الحسن النور"!!
اعتلى مولانا الدكتور “عوض الحسن النور” كرسي وزارة العدل عن جدارة واستحقاق، فهو القاضي الزاهد العابد المؤدب العالم أخو الإخوان، فوزارة العدل التي مر على رئاستها فطاحلة القانون شهدت أول وزير عدل أعرفه كان مولانا “الرشيد الطاهر بكر”، فإن لم تخنِ الذاكرة كان ذلك ظهيرة عام 1984م، تقريباً وأنا صحفي بادئ بصحيفة الأيام، التقيته بالقصر الجمهوري وأظن ذلك بداية التحول الرئاسي للقيادة الرشيدة. اصطحبني إلى وزارة العدل بشارع النيل سيراً على الأقدام من القصر الجمهوري إلى الوزارة، كنت قد طلبت تعليقاً أو تصريحاً في مسألة محددة فقادني إلى أن دخلت معه الوزارة، ومن ثم ارتبطت علاقتي بوزارة العدل عقب انتفاضة رجب أبريل 1985م، والتي عاصرنا فيها الأستاذ “عمر عبد العاطي” المحامي ومدير مكتبه، رجل القانون الدكتور “صلاح معروف”، ومن ثم تولى رئاسة الوزارة مولانا “عبد المحمود الحاج صالح” في الديمقراطية الثالثة ممثلاً لحزب الأمة، قبل أن ينقسم الحزب عدة أحزاب،. وكانت فترة “عبد المحمود” و”عمر عبد العاطي” من أخصب الفترات التي عشناها في الوزارة، ثم جاءت فترة الدكتور “حسن الترابي” وزير العدل ممثلاً للجبهة القومية الإسلامية، فقد توطدت علاقتنا به ونحن في ريعان الشباب مع مجموعة نيرة من الصحفيين “الفاتح السيد” و”عفاف محجوب” و”نجوى حسين” و”أسامة” و”عفاف عبد الله” ومجموعة يمثلون صحف الراية، الأيام، الصحافة و(سونا). لقد كان الدكتور “الترابي” يقدر الصحافة والصحفيين لم نره قد تهرب في يوم ما علينا أو رفض الإدلاء بأي تصريحات إلا إذا كان في مهمة خارج الوزارة، ولكن كان محافظاً على يومين خصصهما للصحفيين.. وتلت فترة الديمقراطية الثالثة فترة الإنقاذ والتي كان أول وزير عدل فيها مولانا “أحمد محمود حسن” ثم مولانا “البيلي” ثم “عبد السميع عمر” رحمة الله عليه، ثم مولانا “شدو” ومن ثم “سبدرات” ومولانا “علي محمد عثمان يس” ثم “محمد علي المرضي” وأخيراً مولانا “دوسة”.. والآن يدخل الوزارة الدكتور “عوض الحسن النور” برجله اليمين وهو يعرفها تماماً منذ أن كان قاضياً صغيراً يفصله شارع الزلط بين الوزارة والقضائية.
الدكتور “عوض الحسن النور” يعد من أطهر القضاة وظل محتفظاً بمكانته العلمية والقضائية رغم الكيد الذي تعرض له منذ أن تولى منصب المدير العام لمعهد التدريب والإصلاح القانوني، عرفته معرفة حقيقية في هذا المعهد الذي توليت إدارة الإعلام فيه من خلال إصدار صفحة أسبوعية بصحيفة الأنباء تتناول الشأن القانوني.. وظللت معه إلى أن جاء قرار تصفية المعهد، ووقتها كان قد أعيد إلى الهيئة القضائية وتولى الدكتور “صلاح معروف” تسيير أمور المعهد الذي جرت تصفيته.. لم يستطع دكتور “عوض” الاستمرار فانتدب للعمل بدولة أبو ظبي في المجال القضائي، ولكن همومه بالإصلاح القانوني لم تمنعه من كتابة سلسلة مقالات عن ذلك الإصلاح، ولكن يبدو أن تلك الكتابات لم ترضِ الآخرين إلا أنه واصل فيها محكماً ضميره ووازعه الديني.. وظل الدكتور “عوض”بابتسامته الطاهرة النقية يوزعها على أحبابه وخصومه، فلم يخسر أبداً بل كان هو الرابح، ففي دولة الإمارات أو أبو ظبي فتح الله عليه فتحاً كبيراً فكسب أحباباً وأصدقاء وشيوخاً وقضاة، وكسب من الدنيا التي لم تكن في يوم ما مبتغاه.. فتوليه منصب وزير العدل هو شرف لوزارة العدل ولكل العاملين فيها، بأن يكون وزيرها بسيرته النضرة وسماحة خلقه وطهر يده ولسانه.