تسعة.. محمولة جواً
أثق في أن القوات المسلحة السودانية التي تشارك ضمن الجيوش العربية في عاصفة الحزم ستشرف بلدها الصغير السودان وبلدها الأكبر الأمة الإسلامية، سيبلي إخوتنا أولئك حسناً لأنهم من أصل أرومة المجد والشجاعة التي جعلت الجيش في هذه البلاد محل الثقة والتقدير وفوق مظان الانكسار والهزيمة، مؤسسة لا تعقد لواء قيادتها لجبان متخاذل ولا تكلف بأوامرها ومهامها وأمر تعيينها إلا الصناديد الأبطال. لقد مشى الجيش السوداني في عرصات النصر يوم احتفلت أوربا وبريطانيا والملكة هناك بانتهاء الحرب العالمية الثانية يوم أن قاد الملازم يومها “حمد النيل ضيف الله” طابور الشرف للقوة السودانية وحينما اقترب من المنصة أصاب الحاضرون شيء من الإبهار بفضل حذاقة الأداء وتميز القامات وارتفاع الهامات فوقفت (الملكة) تستقبل التحية و”حمد النيل” كالسيف الصقيل يلوح في سماء المهرجان وقالوا يومها الرواة إن القوة السودانية كانت هي القوة الوحيدة التي وقفت لها ملكة الإنجليز.
إنه التاريخ الذي لا يحفظ إلا المواقف الكبيرة وأما عند العرب فمكانة الجيش السوداني معروفة ومعالمه نيرة من (بيروت) إلى خط (القناة) إلى (عمان) في أيلول الأسود كلها كانت أياماً اختبر فيها الأشقاء والأصدقاء بأسه وثباته، هذا بخلاف رفد جيشنا الجيوش العربية بالخبرات والمعلمين ضباطاً وضباط صف، وصهرت الكلية الحربية بوادي سيدنا المئات من ضباط المنطقة، شدة عزمهم بين ميدان (شريف) و(شرف) ودفقت فيها بأصوات (حميدان) و(شانتو) مظان القوة والبسالة، فخرجوا من مصنع الرجال قادة وسادة وسمتهم (ام الكلالى) بوسم البطولة فكانوا حيثما حلوا عند حسن الظن بهم يتحدرون كالبشارات في مواقيت الاختبار.
ما كانت القوات المسلحة السودانية يوماً قط بعيدة عن هموم أمتها العربية، فهي من وقفت وحدها تصد مكائد الشيطان ومناجيس العمالة من كل فرق الخارجين وصمدت لعقود تقاتل بالطول والعرض، تمضى قوافلها فوج إثر فوج جديد، تحارب كيد الخائنين من وكلاء العرض والطلب ممن ظنوا أن إتيان هذه البلاد سهل وميسور فردوا على الأعقاب تدمى كلومهم، إنه الجيش الوطني الذي حارب المرتزقة البيض والسمر وحوثيي الليل والنهار والشرق والغرب فما ترك في الناس والسير إلا حسن البيان والعمل، وهو بذات هذه الفراسة يمضي الآن إلى معركته الجديدة، عزم يتولد فيه إلى عزم وسيرى الجمع ما يصنع إن كتب عليه القتال، يومها سيعرف البعض أن الأمة السودانية من رحم الشجاعة والمروءات خرجت وسيكون العهد بهم وصلاً ووعداً لصف طويل من الشجعان الصناديد الذين ما انكسر لهم لواء أو تعثروا في كل المحن الكبيرة أو الصغيرة.
وتسعة صاعقة، وتسعة رادعة، وتسعة فوق من الشموخ محمولة جواً…كع