عتاب ظريف أم درمان "الهادي نصر الدين!!
لا يعرف الصحفي تأثير ما يكتبه إلا في المناسبات إن كانت أفراحاً أو أتراحاً، فالمواطن السوداني يُعد من أكثر شعوب العالم قراءة واطلاعاً وليست مقولة (القاهرة تكتب وبيروت تطبع والسودان يقرأ) نابعة من فراغ، فحتى الذين لم يكملوا دراساتهم تجدهم مولعين بالقراءة. وقيل إن “القذافي” قال معاتباً شعبه أو أجرى مقارنة بين المواطن الليبي والمواطن السوداني وقال إذا كان للسوداني جنيهان فيشري بجنيه خبزاً وبالجنيه الآخر صحيفة.. لذا لا تضيع كلمات الصحفيين هباء فكل ما يكتبه الصحفيون تجده موثقاً لدى القراء.
إن الدافع الذي جعلني أكتب هذه المقدمة هو اللقاء العابر الذي جمعني بالسيد “الهادي نصر الدين” أحد ظرفاء أم درمان أو “الهادي” (الضلالي) كما يُطلق عليه، وقيل إن هذا الاسم أطلقه عليه الإمام “عبد الرحمن المهدي”..التقيته على باب منزل الزعيم “إسماعيل الأزهري” عندما جئت لأقدم واجب العزاء في أم السودانيين “مريم مصطفى سلامة” أرملة الزعيم “الأزهري”، وكان هو على الباب يهم بالمغادرة، نده علىَّ معاتباً في ما كتبت عن ودنوباوي التي تجاوزت الحلقات عنها الأربعين حلقة تقريباً. فعتاب السيد “الهادي” عن تقديم الرئيس السابق “جعفر نميري” على الإمام “عبد الرحمن المهدي” ولا أعتقد أنني فعلت ذلك لأنني تحدثت عن ذلك الحي الذي أنجب عمالقة ورؤساء للسودان من بينهم الإمام “عبد الرحمن المهدي” والإمام “الصديق” والإمام “الهادي” والإمام “الصادق”، وذكرت من بين الرؤساء “جعفر نميري”، ولكن يبدو أن حب السيد “الهادي” للإمام “عبد الرحمن” ولآل “المهدي” جعله يقرأ أن “نميري” كان في مقدمة هؤلاء السادة، وحتى إذا افترضنا أنني قد قدمت الرئيس “جعفر نميري” فما الذي يضير السيد “الهادي”، نعم الجميع مفتونون بآل “المهدي” وأنا أصلاً من أسرة أنصارية، كل السادة كانوا يدخلون بيوتنا ويأكلون منها الطعام وكنا نغسل لهم أيديهم فغداء (الجمعة) أو غداء الملازمين كما يطلق عليه كان بمثابة عيد لكل أسرة أنصارية تتجمع الأسرة جميعها في المنزل الذي يقام فيه الغداء وتحتفي بالملازمين ومن بينهم ممن رأينا الإمام “أحمد المهدي” والإمام “الصادق” وحتى الأمير “نقد الله” الكبير كان من بين أولئك وما زال غداء الملازمين مستمراً حتى اليوم وما زال الأنصار مداومين على تلك العادة الحميدة التي تجمع من بقي من كبار الأنصار.
السيد “الهادي نصر الدين” واحد من ظرفاء أم درمان ويحب الأنصار حباً عظيماً كما قال لي، ولا يود أن يتقدم الأئمة الكبار منهم أحد مهما علا شأنه أو قدره في السياسة أو الحكم، ولذلك تجده متعصباً لهم كما هو متعصب لأم درمان تلك المدينة الساحرة الهادئة التي ضمت كل من أتاها مستنصراً بها. وقيل من حبها لأهلها ولمن سكت فيها فمن أتاها بحمار خرج منها بحصان، وهي مدينة ملهمة فيها الأدباء والشعراء والفنانون ولاعبو كرة القدم، وفيها الإذاعة والتلفزيون والمسرح، وفيها أعرق الأسواق سوق أم درمان وهو عالم بمفرده خرج أيضاً عمالقة. وأم درمان مدينة حنينة إلى النفس والقلب وأبناؤها يتعارفون كما الإخوة وإذا صادفتهم في أي دولة من الدول تجد تميزهم دون سائر أبناء الوطن الآخرين.
لذا فإن “الهادي نصر الدين” واحد من تلك الطينة الأم درمانية القحة عشقها وعشق أهلها وعشق سادتها الراحلين والباقين على قيد الحياة فنتقبل عتابه والعين لا تعلو على الحاجب.