"التوم محمد التوم".. قائد من إكسير الفخامة!!
بقلم – عادل عبده
هوى نيزك مضيء من علوٍ بعيد خلال الأيام الفائتة برحيل الأستاذ المناضل “التوم محمد التوم” وزير الإعلام الأسبق في العاصمة البريطانية فكان حجم اللوعة والجزعة مهولاً يفوق التصور والإدراك، حيث ارتجفت فرائص أهله وأبنائه وإخوانه وأحبابه وأصدقائه وعارفي فضله على كثرتهم لفراقه الأليم وغيابه المفاجئ عن الدنيا.
“التوم محمد التوم” كان خليطاً بين القيادي السياسي الفخيم الناجح وبين الشخصية الشعبية البسيطة الملتصقة بعامة الناس.. شيء نادر وميكانيزما سحرية كانت تدفعه نحو اقتحام الصعاب وفتح المسارات المغلقة والتفاعل مع القضايا الشائكة والمعقدة دون خوف وتردد.. من هذا المنطلق كان طبيعياً أن يدخل “التوم” سجون جميع الأنظمة الشمولية التي مرت على البلاد وأن يفتح داره لكل المناضلين الرافضين لحكم الفرد والقهر على مختلف أيديولوجيتهم السياسية.
عندما كان “التوم” وزيراً للإعلام كسر الأبواب الحديدية وطبّق قومية الأجهزة الإعلامية، وجعل الشفافية والحرية حقاً مكفولاً بين الحكومة والمعارضة، ودلق التجربة الديمقراطية السودانية إلى المدارات الخارجية، ولم يستخدم سلطته في خنق الكلمة التي كانت تصوب السهام حياله. كان “التوم” مثالاً للوزير الناجح المبتكر والهميم الذي يمتلك المفتاح الصحيح والرؤية الثاقبة والوطنية الفذة.
عندما يحب الله سبحانه وتعالى عبداً من عباده يختصه بكرامات ومزايا لا توجد عند الكثيرين، فقد شمل الله عزّ وجلّ “التوم محمد التوم” بهذه الفضائل العظيمة حيث جعله يقوم بدور الأب والشقيق في آن واحد لإخوانه “عبد الرحمن” و”علي” و”أحمد”، ثم منح الله “التوم” خصوصية الكريم الشهم الفقير الذي يصرف كل ما يملك لإكرام الضيف والمستجير، وهي أعلى مرتبة نورانية وشعشعانية من كرم الغني الثري كما جاء في الحديث القدسي، فالكريم الفقير تذهب حسناته في أريحية مطلقة عند الملأ الأعلى، وكم يكون “التوم” رائعاً وبشوشاً وجذاباً وهو يحوم في تلك اللحظات بين ضيوفه في المزاد والقرير والقاهرة ولندن، وأيضاً من خصائص “التوم” المدهشة استقباله الحميم وتبسمه الصادق في وجه الذين يتآمرون عليه ويرسلون صوبه الدسائس والبلاوي، وهي قدرة على الصمود والتسامح ودرس عظيم في الأخلاق لا يقدر عليه إلا أمثال “التوم”.. كانت كرامة ربانية ذات مغزى ومعنى نزلت من المولى عزّ وجلّ على الفقيد “التوم محمد التوم” تمثلت في تأخير جثمانه الطاهر لمدة خمسة أيام في لندن ليصلي عليه حشد كبير من المسلمين يوم (الجمعة) في مسجد (السيد علي).. إنها كرامة من المعالم الوضاءة ومنحة إلهية من الواحد الديان لا يجدها إلا ذو حظ عظيم!!
المحطات الملهمة في حياة “التوم محمد التوم” لا تحصى ولا تعد.. كيف فاز في دائرة مروي خلال الديمقراطية الثالثة عن جدارة واستحقاق يوم هتف جمهوره الوفي (اليوم اليوم.. فوزنا التوم).. وكيف سلم راية النضال عندما ذهب إلى المهجر من أجل القضية الوطنية لشقيقه “علي التوم” الذي كان أول سجين سياسي في الإنقاذ.. وكيف كان منزله يمثل مركز الدائرة في العمل المناهض لانقلاب 30 يونيو 89 في الأيام العصيبة.
كان “التوم محمد التوم” رجلاً شجاعاً وقوياً وكان نقياً مثل دفقات النيل في قرية العامراب.. وكان أصيلاً مثل جبل البركل.. وكان قائداً من إكسير الفخامة.
رحم الله “التوم محمد التوم” وتقبله قبولاً حسناً مع الصديقين والشهداء والأبرار وجعل الجنة مثواه والعزاء لوطنه وحزبه وأهله وأبنائه “محمد” و”سيد أحمد” و”طه” و”زياد” و”أزهري”، وابنتيه “سلوى” و”زينب”.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.