لسان طويل
لحق الدكتور “جبريل إبراهيم” رئيس حركة العدل والمساواة، نائب رئيس متمردي الجبهة الثورية السودانية برفاقه في قطاع الشمال والمتمردين الناشطين بجنوب كردفان، وهدد بالأمس بالعمل بكل السبل على تعويق انعقاد الانتخابات التي أوشكت ولم يبقَ بينها وبين لحظة النهاية إلا أيام، إذ لن ينتصف أبريل المقبل إلا وقد طويت نتائجها ونشرت. وربطاً بين تصريح “جبريل” وآخر “الحلو” قبل الهجمات الأخيرة، فيبدو لي أن مسألة قيام الانتخابات هذه تزعج المعارضة المسلحة وترهقها نفسياً، لدرجة العمل على ارتكاب الحماقات لأن مثل تلك التصريحات أمور سالبة بكل مقاييس السياسة، وتنم عن عدم حكمة وتهور لا يليق بصاحب مشروع مدني أو مسلح.
يبدو أن المتمردين قد أيقنوا بصورة أو أخرى أن تقدمهم لحملات المقاطعة لم يأتِ بنتيجة، ويبدو أن مراصدهم الداخلية قد كشفت لهم تقديرات أخرى تتعلق بالمواطنين، أفادت بأن الانتخابات ستمضي وستقوم وسيحوز الفائزون فيها على شرعية لا يمكن إنكارها أو التقليل دون التقيد برؤية الجبهة الثورية لصحة شروطها وانعقادها، فلم تعد تملك الحركات المسلحة إلا معاقبة الناس والمواطنين وهذا ما حدث في مواقع عديدة بجنوب كردفان الجامع بينها كلها أنها مناطق قليلة الوجود الأمني وبعيدة ويغلب عليها الطابع المدني، وقد تكون مدناً صغيرة أو بلدات ومرات قرى فيقوم خط التمرد على استهدافها بقوات أكبر من حجم القوات الحكومية وبكثافة نيران تثير الفزع – ولا بأس أن تقتل الأهالي- ثم يعقبها بيان لما يسمى بالتحرير ثم الانسحاب بعدها لحظة ظهور القوات الحكومية.
هذا هو التكتيك، ضربات على مناطق لا تتمتع بشوكة الجيش أو القوات الأمنية، بعيدة نسبياً عن أقرب المراكز التي قد تدفع بأي تعزيزات، مناطق تقع في العادة قبالة مناطق أو جيوب خلفية للمتمردين، بحيث يسهل الوصول إليها والانسحاب منها وفي الوقت نفسه تفادي الوقوع في مصائد للقوات الحكومية التي تطارد الجناة. وفي هذه الهجمات يتم الحصول على التشوين من مملتكات المواطنين من عيش وذرة وزيوت وربما بعض وقود وهو ما يفسر كذلك، أن الأوضاع الإدارية والداخلية بمواقع التمرد تعاني من إشكالات كبيرة وحصار وتضييق يتطلب الإقدام على أعمال النهب والقرصنة البرية، ولهذا أتوقع أن تجتهد شراذم التمرد على إتيان ذات الفعل في دارفور ولو بدرجة أقل، لجهة أن التمرد هناك سحق بنسبة كبيرة ولم يبقَ فيه إلا (طول لسان) قادته على الفضائيات والمحطات !
الحكومة والمفوضية القومية للانتخابات حتى آخر التصريحات المثبتة تلتزم بقيام الانتخابات، وشخصياً ومع حالة الجنون التي تنتاب المعارضة من قيامها، يبدو لي أن التوجه الأفضل عقدها والحث على المشاركة فيها لأن الأمر يتحول الآن على منعها بأسلوب إجرامي ومستفز للناس وغير كريم، فأنا أفهم أن يكون لك رأيك في المقاطعة أو المشاركة، ولكن ما لا يبدو مفهوماً أن تعاقب من يضادك في الرأي بشأنها.