السياسي والفنان
ثارت ثائرة المناضلين و(المناتلين) ضد الحكومة والمؤتمر الوطني، حينما ظهر عدد من المغنين والمطربين الشباب في تدشين الحملة الشبابية لدعم ترشيح “البشير” مرشحاً لرئاسة الجمهورية، ويتعرض المطرب “النصري” لحملة في ذات الاتجاه الآن لأنه ظهر في حملة تدشين ترشيح (قوش) للبرلمان بدائرة مروي، ولن تكون أقل ضراوة من تلك التي طالت الفنانين “أحمد الصادق” و”جمال فرفور” و”خالد الصحافة” و”صلاح ولي” و”نسرين هندي”! والحقيقة أن هذه كلها تبدو مواقف متعسفة من أنصار المعارضة والذين يصادرون خيارات الناس السياسية، ويفرضون عليهم اتخاذ مواقف تتسق ومواقف كارهي الحكومة وهذا غريب وشاذ.
مثلما أن لبعض قادة قوى الإجماع الوطني والمعارضة بالإجمال أنصارهم ومؤيديهم بما في ذلك مطربون ومغنون وأنصاف شعراء، فليس عيباً على فنان أو مبدع بالمقابل أن يكون يرى في المؤتمر الوطني حسناً وجمالاً واقتناعاً به، وكثير من الشعراء والمتشوعرين يشتمون هذه الحكومة والرئيس “البشير” ولم يعترض أحد أو يصفهم بأنهم قوم سوء، بل أكثر من ذلك فإن بعض النكرات ومدعي الإبداع والتثقف اتخذوا من ذلك السوء مصعداً لأمجاد سياسية ونضالية، رغم أن منتوجهم لا علاقة له بالإبداع والفنون وإنما تأسس عملهم على الموقف السياسي المناهض للحكومة في الخرطوم.
الفنان والشاعر هو في أخر الأمر مواطن، يتخذ في كل حالة الموقف المناسب، وفي حالة الانتخابات فإنما يقدم “محمد الحسن” أو (فرفور) أو غيرهم خياراتهم وقراراتهم وفق حالة كونهم مواطنين أصحاب تقدير موقف ما يرونه سليماً، لأنه وبذات القدر ليس سراً أو عيباً أن فلاناً وفلاناً وفلانة بالجهة الأخرى كوادر معارضة ومسيسة تكتب النشيد وتؤدي القصيد لصالح الحزب الشيوعي أو الجبهة الثورية، وهم يظنون أنهم يحسنون صنعاً وعليه فلا تثريب على من يرى في المؤتمر الوطني خيراً أن يحتفل به ومعه، ولهذا بدا لي سيل الهجوم الضاري على أولئك الشباب عملاً غير ديمقراطي وتحاملاً في غير موضعه.
لا يضر أن يكون المبدع (شيوعياً) ويكون في إبداعه حكمة تجعله إسلامياً ملتزماً يأخذ بمنتوجه شعراً أو قصة، وبالقدر نفسه قد يكون الكاتب مؤتمراً وطنياً و(جبهة) لكن في نثره حكمة ووعي ودعوة للخير والحق والجمال، وذلك أن الحالة الإبداعية لا تصنف ولا تطلى بلون سياسي، لأن الإبداع درجة من الحياد الايجابي ومنطقة وسطى حتى في أحوال الخلافات، بل أكثر من ذلك فإنه معالجة من معالجات الحلول والتسوية بين الرأي الحاد والمتطرف، ولهذا أرى أن محاكمة بعض المطربين الشباب والمبدعين لأنهم ساندوا المؤتمر الوطني في الانتخابات أو بالجهة الأخرى حثوا على مقاطعة الانتخابات، أرى أن هذه محاكمة متحاملة وغير صحيحة الحيثيات وانفعالية أكثر من كونها تقوم على حيثيات موضوعية.
لو أن موقف من احتفلوا مع المؤتمر الوطني في حملته الشبابية (غلط)، فإن من يهاجمونهم بحجية موالاة الحكومة والنظام غلط برضو.