أصحوا!
أسوأ ما تنتجه حالة التجاذب السياسي التي تبدو أحياناً أقرب للسلوك الانصرافي بين تشكيلات الوسط الحزبي والسياسي حالة المفارقة لواقع هموم الناس وشأن معاشهم وظروفهم التي جعلتهم في وضعية الإحباط المقيم، كل خيارات الحل والتسوية تبدو عالقة إما في بيروقراطية انعقد وانفض أو متورطة في مواقف متطرفة ترجح الانحياز للذات على حساب قضية الوطن الكبرى. الحكومة تبدو منصرفة للانتخابات بقدر قد يكون مؤثراً حتى في استدراكها لإشكالات المواطنين قد تبدو صغيرة، لكنها تغض مضاجع الناس وأزمة غاز الطعام عنوان فرعي لها، وأما المعارضة فهي (أعمى ومسكوه عكاز)، فلا هي قدمت خططاً لإقالة عثرة البلاد ولا هي تركت الآخرين يعملوا، بل وقفت مثل اللغم الأرضي في كل المسارات.
هذا الوضع بالإجمال أوجد حالة من الاستياء الصامت بين الناس، لم يعد أحد يأبه بمن قال ماذا، إذ كلما قال الجمع إنها فرجت تعقدت، وصار الحل في الوفاق والسلام كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً، لتبقى الأحوال على ما هي فيه لدرجة أن حتى الانفراجات الصغيرة والكبيرة تقضي كالحشائش تحت صراع الأفيال السياسية تلك والتي لا تسحق سوي معنويات الشعب وتفاقم من أزماته التي سببها الأول والأخير السياسيون، ولذا أعتقد أن المسؤولية الأكبر والأهم تقع على عاتق الحكومة وحزبها، بالتوجه إلى العمل أكثر من الكلام، وإلى التسوية مع الشعب فحال الأحزاب هذه ميئوس منه، فالمعارضة توزعت بين العواصم والقارات والموجود بالداخل تفرق شيعاً وفرقاً وخلافاتها أكثر من لحظات صفوها وحالتها هي التفرق نفسه، فأحزاب المعارضة في الحوار الوطني تتناحر وقوى الإجماع الوطني يخرج حزب ويرقد حزب، وحركات دارفور الموقعة على اتفاق السلام تفرغت للصراعات وكل يوم يحمل سباباً وأوامر خلع وإقالة، و”الصادق المهدي” كعادته يجمع ويطرح، والمتمردون من حملة السلاح يحبسهم حابس الأولياء والمنفقين عليهم.
هذه وضعية تلزم الحكومة بالتركيز على أمانة وولاية عهدها بالشعب والذي لن يأكل ويشرب هراء الحل الشامل والديمقراطية المستدامة، الشعارات لن تمنح مريضاً في مشفى دواءً أو توفر أمناً لمواطن يخاف هجمة من فرد (نيقرز) في أطراف أم درمان، الجدل العقيم هذا لن يوفر للتلاميذ مدارس محصنة من البرد أو تمنح عاطلاً وظيفة، هذه الأوضاع التهاون في ضبط أثارها قد يدفع الناس لانفجار عظيم لا يظن أحد فيه أن الأمور بعده ستكون كما السابق، ستختلط الأجندات وتتعاظم المرارات وسيدفع السياسيون قبل غيرهم ثمن ما أورثوه للوطن والشعب الضجر منهم.
إن في الشارع العام حالة من الإحباط الأسود والعظيم، وعلى من يأبه بأمر هذه البلاد أن يعلم ذلك وليعمل على حل القضايا الحقيقية، لقد سئم الجميع ما يجري فكل الأشياء تتعقد إلا ألسنة الأحزاب طلقة وتكثر من الثرثرة ولا تعمل.